المنطق الذي يتعامل به الغربيون، وفرنسا بالدرجة الأولى، مع الخطر الارهابي يدعو إلى الريبة، انطلاقا من اعتبارات كثيرة وحقائق مختلفة تؤكد كلها بأن تهديد القاعدة قد تحول فعلا إلى بعبع وإلى فزاعة تستعمل القوى الكبرى للنفاذ إلى جسد الدول الضعيفة والقضاء على ما تبقى من "حكاية" السيادة الوطنية• لقد اختير للمنتدى العاشر لمعهد الدراسات العليا للدفاع الوطني، الذي انطلق الأربعاء الفارط وسوف يتواصل خلال الأسبوع الجاري حول التهديدات الجديدة في إفريقيا بمشاركة حوالي خمسين دولة، موضوع "القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي" بصفتها تهديدا مستقبليا لأوروبا، ويجري البحث الذي يقوم به مختصون في الشأن الأمني حول تحديد المعالم الجغرافية الكبرى للتهديدات• واللافت للانتباه، أن المنتدى المذكور يأتي بشكل متزامن مع انطلاق اللقاء العادي الثالث لوزراء الأمن والدفاع الأفارقة بأديس أبيبا بإثيوبيا، حول تفعيل القوة الافريقية الجاهزة ولجنة الأركان العسكرية ضمن إطار المسعى الافريقي لحل النزاعات في القارة ومواجهة الإرهاب• وبين المنتدى الباريسي واللقاء الإفريقي علاقة أكيدة قد تبدو إيجابية من الوهلة الأولى، لكن إمعان النظر في خلفيات مساعي بعض دول الشمال، يجعلنا نصل إلى استنتاجات مختلفة مرتبطة بالخلفية الاستعمارية التي تسيطر على العقلية الغربية والأوروبية، في مقابل سعي إفريقي محتشم لحماية ما بقي من السيادة الوطنية عبر إتخاذ مبادرات ذاتية للتعامل مع المشاكل الأمنية الخطيرة التي تواجه كل دول القارة السمراء• إن ما يسمى بالهاجس الأمني لدى الأوروبيين وخاصة فرنسا، هو مجرد أداة تستعمل للبحث عن موطىء قدم من إفريقيا وتحديدا في منطقة الساحل، والتحركات التي تقوم بها فرنسا مثلا تصب في هذا الاتجاه، ففرنسا التي لعبت دورا سريا في إشعال الكثير من النزاعات المسلحة على غرار ما يحصل في مالي والنيجر بين حكومات البلدين وقبائل التوارق، تستغل ما يسمى بنفوذ القاعدة في منطقة الساحل لتوسيع نفوذها العسكري، ويبدو أن حوادث الاختطاف الأخيرة التي قامت بها زمر "تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي" قد خدمت المسعى الفرنسي بشكل كبير جدّا• ويمكن إدراج الطلب الفرنسي الذي رفضته الجزائر والمتعلق باستعمال أراضيها ومجالها الجوي في عملية عسكرية ضد المسلحين ضمن مسعى مفضوح لترتيب مخطط أمني للمنطقة، وبمجرد تحرك عدد من دول الساحل الافريقي بمساعدة من الجزائر للقيام بعملية عسكرية ضد فلول القاعدة في المنطقة، تدخلت هذه الدول لوقف العملية بحجة تعريض الرعايا الغربيين المختطفين للخطر• فهذه الدول لا تتوانى عن دفع الملايين لإطلاق سراح مواطنيها، وهي تعلم يقينا بأن أموال الفدية لا تستعمل للسياحة والاستجمام، بل لشراء السلاح وتسمين أمراء الحرب واستباحة الدماء البريئة التي لا تقل قيمة عن دماء الغربيين• إن العمل الاستخباراتي الذي تقوم به عدد من الدول الأوروبية هو أخطر حتى من تهديد القاعدة نفسها، فهذه الدول لا تخاف الإرهاب كما تدعي وتهول، فما تخافه هو تعرض مصالحها للخطر، والمقصود بالخطر قد يكون الزحف الصيني أو الوطنية الاقتصادية كما تسمى، وهذا ما يجعل الأوروبيين لا يحبذون أن يبادر الأفارقة بمكافحة الإرهاب وقيام تنسيق أمني بينهم. فرنسا وشركاؤها يحاولون لعب الدور الذي عجزت أمريكا عن لعبه في القارة السمراء، وبعدما عجزت واشنطن في زرع عساكرها بشمال إفريقيا كما اعترف بذلك صراحة التقرير الأخير للخارجية الأمريكية، تسعى أوروبا للدخول بقناع آخر اسمه مكافحة المسلحين المتخصصين في خطف السياح الغربيين بنفس الطريقة التي يتدخل بها هذا الغرب في الصومال تحت عنوان مكافحة القرصنة، ويبقى القاسم المشترك بين الغرب هي منابع النفط والغاز ومناجم الذهب واليورانيوم، ومن أجل ذلك يستعمل الإرهاب، بل وتوظف القاعدة وقد يتم اللجوء حتى إلى الشيطان•