هل بإمكان سيف الإسلام القذافي أن يصبح ظاهرة عربية مثل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب أو جمال عبد الناصر ؟ من بين ما لفت انتباهي في تصريحات سيف الإسلام القذافي خلال زيارته للجزائر هو حديثه عن غياب قناة تلفزيونية مغاربية محترمة على غرار قناة " الجزيرة " القطرية. والحقيقة أن باب الغرابة لا يكمن في أن هذا الشاب الليبي الطموح يدرك تمام الإدراك أهمية قناة تلفزيونية مثل الجزيرة، ولكن التشبيه هو " الملفت للإنتباه ". ذلك أن هذه القناة مطاردة في عديد من البلدان، فهي مخيفة بفعل جرأتها في الطرح وطريقتها في تناول المواضيع. ومع ذلك هناك إشهاد على أنها قناة محترمة وفعالة ومؤثرة. والواقع أن التشبيه في محله، فالذي يطمح عليه أن يجعل لطموحه مرجعية، فنحن في عالمنا العربي عندما نتحدث عن الديمقراطية نقارن وضعنا بالولاياتالمتحدةالأمريكية، وعندما نتحدث عن التعليم نقارن أنفسنا بماليزيا، وعندما نتحدث عن التنمية نقارن أنفسنا بكوريا الجنوبية أو دول أوروبا الشرقية، وكذلك نفعل عندما نتحدث عن الوضع الإعلامي، فلابد أن نقارن أنفسنا ب " سي آن آن " أو ب " الجزيرة ". والحقيقة لسنا وحدنا في العالم الذين نجعل من الجزيرة نموذجا إعلاميا ومرجعية للحكم على هذه القناة أو تلك، بل حتى الدول العريقة في مجال الإعلام مثل الولاياتالمتحدةالأمريكيةوفرنسا، فالأولى أي الولاياتالمتحدةالأمريكية أنشأت في عام 2002 " راديو سوا " وفي عام 2003 " قناة الحرة " ، والهدف هو منافسة قناة الجزيرة، التي نافست القنوات الإعلامية الغربية الكبرى. أما فرنسا فتم التصريح بوضوح أن هناك رغبة في تحويل قناة " فرانس 24 " إلى منافس حقيقي لقناة الجزيرة، وقيل أيضا أن هناك رغبة لجعلها " سي آن آن " باللغة العربية. المفارقة الآن، هي أن الدول الغربية إذا كانت ترغب في منافسة هذه القناة أو تلك، أو إنشاء قناة جديدة على أسس مهنية جديدة وخط افتتاح جديد، فإنه بإمكانها أن تفعل ذلك، لأنها تؤمن فعلا بدور الإعلام وأهميته. لكن بالنسبة للدول النامية مثل الدول العربية تماما، التي لم تحل مشكل السلطة وآليات الوصول إليها والإبتعاد عنها، وتخاف من الإعلام ، أكثر من الخوف عليه، وتقدس الزعماء بدل تقديس المؤسسات، يستحيل عليها أن تنشأ قناة بمثل الجزيرة .. وسوف تظل الجزيرة الحالية ، ظاهرة إعلامية فريدة من نوعها في التاريخ العربي، مثل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وجمال عبد الناصر في المجال الفني والسياسي. وإذا تمكن سيف الإسلام القذافي من إنشاء قناة شبيهة بقناة الجزيرة .. فإنه هو نفسه سيصبح ظاهرة عربية مثل أم كلثوم .. وهي ظاهرة منشودة على أية حال.