أكد الوزير الأول أحمد أويحيى أمس في عرض خطة عمل حكومته أمام أعضاء مجلس الأمة، مجددا تمسك رئيس الجمهورية بتعميق المصالحة الوطنية، وفي سياق آخر ذهب أويحيى إلى أن عملية تقديم أرقاما محددة ودقيقة حول خطة الحكومة في تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية سيكون بمثابة مغامرة أو مغالطة لأن الأمر يتطلب دراسات عميقة، وفي المقابل طالب عبد الرزاق بوحارة النائب عن الثلث الرئاسي الحكومة بمجلس للوساطة الاجتماعية لنقل مشاكل المواطنين إلى المسؤولين في كل المستويات. بعد افتكاكه تزكية نواب الشعب وبأغلبية مطلقة لخطة عمل فريقه الحكومي لتنفيذ البرنامج الخماسي لرئيس الجمهورية، وقف أمس الوزير الأول أحمد أويحيى أمام أعضاء مجلس الأمة ليعرض عليهم الخطوط العريضة لما تعتزم الحكومة القيام به في هذا الإطار. وقد بدأ أويحيى الشق السياسي من عرضه لمخطط عمل الحكومة بقضية المصالحة الوطنية، موضحا أن الحكومة ستعمل "في المقام الأول على تعميق المصالحة الوطنية التي تشكل حجر الزاوية لبناء جزائر آمنة، مع الحرص في الوقت نفسه على اجتثاث الإرهاب دون غلق الباب مفتوح أمام أولائك الذين يفضلون التوبة والعودة مجددا إلى أحضان الشعب، مشددا على المواطنين بضرورة التجند واليقظة للمساهمة في محاربة المجرمين، ملتزما بتحسين وضعية المواطنين المشاركين طوعا في هذه المهمة، وفي التكفل بضحايا الإرهاب، وقال إن رئيس الجمهورية سيبادر قريبا باستكمال أحكام ميثاق السلم والمصالحة الوطنية لفائدة الأسر المعنية، كما أشار إلى أنه سيتم إقحام منظومة التعليم الوطنية و المسجد ووسائل الإعلام والفضاء الثقافي للمساهمة في تضميد جراح المأساة الوطنية. وفي سياق ذي صلة بالشق السياسي لمخطط عمل الحكومة أضاف أويحيى أن الحكومة ستعمل على ترقية حقوق الإنسان والديمقراطية التعددية وحرية التعبير والصحافة، وضمان المساواة بين الرجل والمرأة، وتجسيدا لهذه الالتزامات أشار أويحيى المراجعة التشريعية والسهر على فرض احترام الدستور والقوانين على الجميع لتفادي أي محاولة لتحويل الحريات العامة إلى عنف أو تلاعب بالثوابت الوطنية والحيلولة دون المساس برموز الدولة. وفي تطرقه للشقين الاجتماعي والاقتصادي لمخطط عمل الحكومة، انطلق أويحيى من استحالة تقديم أرقام دقيقة ومحددة حول ما تعتزم الحكومة القيام به تطبيقا للبرنامج الخماسي لرئيس الجمهورية، وذهب إلى حد اعتبار هذا المطلب بمثابة "المغامرة والمغالطة"، لأن تقديم هكذا عرض مفصل بأرقام ومعطيات دقيقة في كل قطاع ومجال يتطلب دراسات معمقة يشرف عليها رئيس الجمهورية بنفسه باعتباره صاحب البرنامج، واكتفى أويحيى في المقابل بتقديم خطوط عريضة وأفكار عامة عن خطة الحكومة في كل قطاع، وقال إن الحكومة ستسهر على تعزيز الشفافية في التعاملات الاقتصادية وفي عقد الصفقات العمومية بفضل تطوير وتحديث المصالح الجبائية والجمركية والمكلفة بمراقبة وضبط التجارة وسوق العمل، مؤكدا أن اقتصاد السوق خيارا لا رجعة فيه ولكن الحكومة ستسهر على أن يكون سليما ونزيها ومفيدا للبلاد، من خلال وضع تدابير للتطهير والضبط في ظل احترام المبادئ العالمية وفقا لما يخدم المصلحة الوطنية. وأكد أويحيى التزام الحكومة بدفع عجلة الإصلاحات خاصة في مجال الاستثمار المنتج من اجل تطوير الاقتصاد وضمان تنوعه و رفع انتاجيته، وقال إن الحكومة عازمة على تنمية الاقتصاد وتنويعه وهو هدف من الممكن بلوغه ضمن المخطط الخماسي 2009 - 2014 ، وذلك ببذل المزيد من الجهد للتنمية الاقتصادية خارج المحروقات والتي أصبحت ضرورة في ظل الأزمة الاقتصادية التي أثرت سلبا على ايرادات الجزائر الخارجية، ومن وجهة نظر أويحيى فإن مبلغ 150 مليار دولار الذي رصدته للتنمية الوطنية الشاملة، هو مبلغ لا يستهان به وسيخصص جزء هام منه لدعم التنمية الاقتصادية والاستثمار المنتج، إلى جانب ضمان القروض البنكية الاستثمارية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة واستحداث فروع بنكية لتمويل رأس المال الاستثماري لهذه المؤسسات مما يساهم في استحداث 000 200 مؤسسة صغيرة ومتوسطة، كما سيتم اعتماد أدوات جديدة لتمويل رأسمال الاستثمار والاستئجار ككتلة نقدية للصندوق الوطني الجديد للاستثمار. وفي الجانب الاجتماعي، أكد الوزير الأول أن الحكومة ستواصل تجسيد برنامج مكافحة البطالة بالاستثمارات العمومية المكثفة و تفعيل التنمية الاقتصادية وتنشيط تكوين وتأهيل الشباب على نحو يسهل لهم الالتحاق بسوق العمل ودعمهم في استحداث نشاطاتهم الخاصة بقروض مصغرة، كما ستبذل جهدا خاصا في ميدان التنمية الاجتماعية في المجال الصحي بتعزيز برامج الطب الوقائي وتقريب الخدمات الصحية من السكان، فضلا عن تحسين المنظومة الوطنية للتعليم والتكوين عن طريق مواصلة الإصلاحات وإمكانيات الاستقبال، مشيرا إلى أن الاجتماع المقبل للثلاثية سيستكمل وضع النصوص المنبثقة عن القانون الأساسي للوظيف العمومي للمساهمة في تحسين القدرة الشرائية للأجراء. أما مداخلات أعضاء مجلس الأمة فقد ركزت على الدعوة إلى دفع وتيرة التنمية في منطقة الجنوب من خلال الإسراع في إنجاز المشاريع المخصصة لهذه المنطقة بغية التخفيف من معاناة سكانها، مثلما شدد عليه النائب عن الثلث الرئاسي من ولاية تمنراست أحمد أخاموخ، الذي طالب بالإسراع في وتيرة إنجاز الطريق العابر للصحراء الذي يعتبر شريان التنمية في المنطقة، ومن جهته طالب قمامة مسعود نائب من نفس الولاية عن جبهة التحرير الوطني بضرورة استحداث بلديات جديدة للتخفيف من حدة المعاناة التي يواجهها سكان المنطقة الذين يضطرون إلى قطع مسافات طويلة لاستخراج وثائق إدارية. أما ممثل ولاية إليزي من كتلة الأفلان فقد ركز على محاربة ظاهرة الهجرة غير الشرعية التي قال أنها أصبحت تهدد الأمن الاجتماعي والاستقرار في المنطقة، ودعا الحكومة إلى توفير الوسائل الضرورية من أجل إيجاد حل لهذه الظاهرة. أما النائب عبد الرزاق بوحارة عن الثلث الرئاسي فقد دعا إلى إنشاء مجلس للوساطة الاجتماعية يتكفل بنقل مشاكل وهموم المواطنين إلى المسؤولين على كل المستويات، وهذا في سياق آلية حقوق الإنسان التي يتضمنها مخطط عمل الحكومة.