اصدرمؤخرا عن دار الحكمة للنشر "كتاب التركة المسمومة - أزمة حركة مجتمع السلم الجزائرية"، للباحث والإعلامي محمد بغداد تناول فيه بالدراسة والتتبع تطورات أزمة حزب حركة مجتمع السلم ذو التوجه الاخواني في الجزائر، وقد استهل الكاتب دراسته بوقفة تأملية لمرجعية الخطاب الإسلامي وتجاربه التاريخية. الكتاب يعد أول دراسة منشورة وموثقة حول هذه الأزمة والتي أخذت أبعاد خطيرة وصلت إلى حد الانقسام والتهديد بالمواجهة بين الإخوة الأعداء، وقد سلك الباحث في كتابه مسلكين. الأول تميز برصد الأسباب الحقيقية والداخلية للصراع بعيدا عن تلك الأسباب المتداولة في الواجهة الإعلامية، منطلقا من الوثائق الداخلية للحركة. والمسلك الثاني اتجه به نحو التحليل العلمي بعيدا عن الاستنتاجات المتعسفة اإعتباطية والبعيدة عن سياقات الأحداث ودلالاتها الزمكانية، ودلك وباعتماد التحليل الذي يعتمد على اللغة الاسلاموية والقيم التي يعتنقها التيار الإسلامي، ليضيف إليها مقاربة مهمة تمثلت في تقديم وجهات النظر القائمة في الأزمة ليضعها في سياقها التاريخي للحزب بصفة خاصة وفي السياق التاريخي للحركة الإسلامية بصفة عامة. وقد توقف الكتاب عند الإشكالية الكبرى المتمثلة في تلك الملاحظة المتمثلة في كون الأزمة لم تلتهب شرارتها وتخرج ألسنتها إلى العلن لم تتورم تداعياتها إلا بعد وفاة مؤسس الحزب المرحوم محفوظ نحناح سنة 2003، إلا أن الكاتب يتجاوز هذا الطرح من خلال وثائق الحزب ليؤكد أن الأزمة نشأت وترعرعت في حياة المؤسس وان رحيله ساعد في بروزها إلى السطح، ليذهب إلى التأكيد أن محفوظ نحناح قتله أصحابه من خلال احتدام الصراع بينهم في حياته مما ساعد على تفاقم المرض عليه. وعبر فصول الكتاب الخمسة التي انقسمت بين المشروع الذي تناول فيه الأبعاد السياسية لتفكير محفوظ نحناح ومرحلة اليتم الذي توقف عند صدمة لحظة غياب المؤسس مع موعد المؤتمر الثالث للحزب، وما نتج عنه من تغيير للقيادة الأمر الذي افرز مجموعة من القيم والمعايير المختلفة عن المرحلة السابقة ، لتأتي مرحلة أخرى سماها الكاتب مرحلة التيه والفصام أين تطورت الأزمة وأخذت أبعاد الصراع الدامي، لتكون المرحلة القادمة التي جاءت تحت عنوان اللعنة و المتمثلة في الصدام الذي ظهر في المؤتمر الرابع للحركة ، لتكون الخاتمة تحت عنوان المنتظر المتمثل في قراءة مستقبلية للتيار الإسلامي عموما.قدمها الكاتب في ظل المستجدات القائمة . كما أن الكتاب رحلة موثقة تفتش عن الأسباب الحقيقية للازمة، ليتوقف عن عامل الغنيمة جاعلا منه المحور الأساسي والفاعل للازمة، معتبرا أن الطرفين يتقاتلان عن الغنيمة الرهيبة التي تحصل عليها الحزب نتيجة جهود محفوظ نحناح وهي الغنيمة التي فشل أتباعه في تسييرها. كتاب "التركة المسمومة" الذي وان تمكن من الظفر بالأسبقية التوثيقية لازمة اكبر حزب إسلامي في الجزائر وإخراجها من التداول الإخباري المتشظي لوسائل الإعلام، راهن على التناول البحثي للنخب السياسية الجزائريةالجديدة.وان لم ينسى الكاتب ان يقدم الكثير من المقارنات والمقاربات بين النماذج السياسية للتيارات الإسلامية.