تستعيد رواية كريماتوريوم سوناتا لأشباح القدس لواسيني الأعرج، حكاية مي، تلك الفنانة الفلسطينية التي غادرت مدينتها هروبا من الموت المحدق بها وبوالدها كي تنجو من الهجانا الذين أبادوا عائلتها المتهمة بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وفي منفاها الجميل أمريكا، وفي حضن خالتها دنيا تجد مي الدفء والحنان الذي يعوضها عن موت والدتها التي قتلت وهي حامل• وهناك تترعرع على حب الفن وتتفجر مواهبها التشكيلية، لتتزوج من عالم آثار وأنتربولوجي إيطالي يغمرها بالحب ويمنحها ابنها يوبا الذي سيصبح سندها وعزاءها الوحيد وهي تواجه أشباح الماضي ممثلة في ذكرياتها عن الظلم وعن حبها الأول يوسف وعن ذكرياتها في القدس وحي المغاربة.. لكي يكلل شغفها بالحياة والفن بعثورها على لون جديد أسمته فراشات القدس•• وعبر مذكراتها التي كتبتها على سرير المرض، وهي تواجه أيامها الأخيرة مع السرطان في مستشفي نيويورك المركزي ، تصر مي على التشبث بالحياة إلى آخر لحظاتها، ومواجهته بالرسم والإصرار على إنجاز سلسلة من اللوحات التي وعدت بالمشاركة في بها في معرض يعود ريعه لمساعدة الأطفال المرضى بالسرطان، ولم تمنعها آلام المرض من الوفاء بالتزامها•• وفي كل ذلك تروي ماضيها وأشباحها المتصلة بالحب والقهر والظلم وحكاية الأرض المغتصبة فلسطين، وأمام استحالة عودتها إلى القدس كي تدفن هناك لا تجد أمامها خيارا آخر غير الكريماتوريوم أو المحرقة.. حيث توصي بأن تحرق جثتها ويمنح رمادها لابنها كي يعيدها إلى الوطن الأم ويرميها على نهر الأردن•. وبذلك تعود إلى وطنها بطريقتها الخاصة• " فالمحرقة والرماد كانا هما خياري الأول والنهائي، ولا أدري لماذا هذا الاختيار الذي لم أفكر فيه قبل مرضي، بحرقي كنت ربما أتلف كل الأشباح التي يمكنها أن تنغص على يوبا حياته ووجوده• البعد يعلمنا ليس فقط تحمل حياتنا ولكن كذلك تعلمنا اختيار موتنا• والمنافي لا تقتل الأشباح أبدا ولكن تمنحها فرصة التوالد المجنون لدرجة أنها في لحظة من لحظات حياتنا تشدد علينا الخناق، وتهددنا بالقتل، حرقي يبيدني ولكنه يبيدها معي وربما بشكل نهائي••" رواية واسيني كريماتوريوم سوناتا لأشباح القدس، هي رواية الفن التشكيلي بامتياز كونها تقدم معرفة عميقة بأسرار الألوان والأساليب والتفكيرات المتصلة بهذا الفن. وهي أيضا رواية الحياة تغوص بك عميقا في فكرة الموت والمرض والنهايات المرعبة، حتى ليكاد قلبك يتفطر، لكن سرعان ما يصبح كل ذلك مألوفا• مثلما هي رواية استثنائية تؤكد على أن زواج السرد والتشكيل والموسيقى أمرممكن، وأن انصهار هذه الفنون جميعا في عمل واحد ليس بالأمر المستحيل •