مؤسسة مجلس الشيوخ عند الدول الأخرى تعد نماذج رائدة في الحكمة ورجاحة العقل وتطبيق روح القانون••! لكن عندنا مجلس الشيوخ أو مجلس الأمة نموذج للبله السياسي والقانوني وسفه المهمة! يوم الخميس الماضي، تابعت جلسة مساءلة مجلس الأمة لبعض أعضاء الحكومة•• وكانت الجلسة مضحكة أكثر من أفلام إسماعيل ياسين رحمه الله••! كأن يرتب الوزير لنفسه حديثا في التلفزة عبر أسئلة النواب وبالاتفاق معهم! كان عددالوزراء الحاضرين في جلسة المساءلة أكثر من عدد النواب! وهي ظاهرة لا تحدث إلا في البرلمان الجزائري، أن يتواطأ النائب مع الوزير للحديث في التلفزة! وكانت الأسئلة الموجهة للوزراء من طرف النواب عبارة عن أسئلة بائسة لا يطرحها حتى الصحفي المبتدئ! وكان الهدف من هذه الأسئلة هو تمكين الوزير المعني من الحديث عن قطاعه أكثر من توجيه الاتهام إليه بالتقصير من طرف النواب••! نواب مجلس الأمة ووزراء الجزائر لا يفرقون بين وظيفة النائب ووظيفة الصحفي•• فالصحفي يطرح السؤال على الوزير ليحصل على المعلومات•• أما النائب (وحسب الدستور) فإن مساءلته للوزير تعني اتهامه بالتقصير•• ولا تكون المساءلة إلا إذا كانت تهمة التقصير قائمة••! تماما مثلما لا يسأل المتهم من طرف القاضي في المحكمة إلا إذا كانت عناصر التهمة قائمة••! فالنواب في مجلس الأمة أصبحوا يقومون بدور الصحافيين وبطريقة بائسة•• كأن يسأل النائب الوزير بالقول :أرجو أن تعطينا معلومات حول القضية الفلانية؟! مثل هذا السؤال هو عمل إعلامي وليس عملا نيابيا! وعمل إعلامي بائس يمارسه الصحافيون البؤساء••! المساءلة للوزير معناها الدستوري هي توجيه التهمة له بالتقصير، وتوجيه التهمة لا يكون إلا بملف فيه الأدلة الدامغة على التقصير، ولهذا فإن المساءلة عند البرلمانات المحترمة هي تهمة تتبع عادة بلجنة تحقيق إما برلمانية أو قضائية•• وهي صورة من صور الرقابة، وليس المساءلة كما يفهمها بعض نواب البؤس عندنا، تعني شرح الوزير لسياسته حتى يفهمها النائب! المصيبة أن البرلمانيين والوزراء عندنا لا يفهمون الدستور••! فالمساءلة هي آلية من آليات الرقابة البرلمانية على أداء الحكومة فتحولت عندنا إلى آلية من آليات الشرح والتوعية الموجهة للنواب من طرف الحكومة••! والنواب الذين لا يستطيعون فهم وظائفهم فكيف نطمع أنهم يقومون بأداء هذه الوظائف•• ولذلك تحولت المساءلة إلى ''زندقة'' للنواب مع الوزراء لقضاء الحوائج ليس إلا••!