طريقة الإعلان عن وفاته لم تكن إلا امتدادا لفكره الرافض لعصر أتى على كل أنواع الحياة الطبيعية والبسيطة العاكسة لأصالة وتلقائية وصفاء وتواضع· كلود ليفي ستروس، أشهر وأكبر المفكرين الفرنسيين والعالميين، توفي مساء يوم الجمعة في منزله بعيدا عن الضجيج الإعلامي، ولم يصل خبر وفاته إلى الصحافة إلا مساء أول أمس بعد أن تمت جنازته في تكتم شديد وكأنه مات بعيدا في غابات الأمازون التي عايش قبائلها غير المتوحشة في نظره·· موت ستروس التي غطت على إريك بيسون، منفذ النقاش حول الهوية الوطنية بأمر من ساركوزي وعلى ماري ندياي، صاحبة جائزة ''الغونكور''، يشغل كل الإعلام الفرنسي والعالمي منذ أول أمس، وكثيرة هي الصحف والمجلات والبرامج الثقافية وغير الثقافية التي اضطرت لتعديل ترتيب موادها بهدف تكريم مفكر إنساني لا يقل أصالة وخصوصية عن فرويد أو ماركس أو سبينوزا· ولد ستروس في 28 نوفمبر 1908 في بروكسل وكرس كل وقته الفكري في نهاية الثلاثينيات إلى غاية اندلاع الحرب العالمية الثانية لدراسة ومعايشة الشعوب البدائية، ولم يكن بلغ ال 28 حينما ذهب في مهمات اتنولوجية إلى أدغال ماتو غروسو بالأمازون للوقوف على نمط عيش من يوصفون ب ''المتوحشين'' في عمق الغاب البرازيلي، وعاد من رحلته الأمازونية ليشرح بلغة بروستية بساطة الذين عانقوا الطبيعة· في عام 1941 ولأنه يهودي، اضطر ستروس إلى الهجرة نحو الولاياتالمتحدة وأسس في العام نفسه مع مؤرخ الفن الشهير هنري فوسيون والباحث الكاثوليكي، جاك مارياتان، المدرسة الحرة للدراسات العليا في نيويورك، ودخل عام 1959 كولاج دوفرانس· وكان من بين ضيوف الرئيس شيراك عند تدشين متحف الفنون الأولى في الكيه برانلي عام 2007 قبل أن يصبح أحد محافظيه الشرفيين· المفكر ميشال سار، أحد رفقاء درب ستروس، كرم تلميذ القبائل المتوحشة بطريقة غير مسبوقة بقوله إن ستروس يعد سيد المفكرين الفرنسيين من وجهة نظر علمية وأخلاقية باعتباره رجلا متسامحا وغير عنصري ومؤمنا بالتنوع الثقافي والإنساني ومرشدا لعدة أجيال· وأضاف الفيلسوف سار بأن ستروس هو صاحب نظرية الاتصال كمقوم مؤسس جوهري لكل مجتمع، وداعية لكل أنواع التبادل البشري سواء كان ذلك على مستوى الأفكار والرسائل والثقافات أو الحاجات المادية المختلفة·