جرى الحديث كثيرا هذه الأيام عن عالم الإناسة الفرنسي، كلود ليفي ستروس الذي توفي يوم 30 أكتوبر الماضي 2009. وكان الحديث كله تقريظا في تقريظ، وهو جدير بذلك دون شك بحكم أنه كان وراء نظريات جديدة في علم الأنثروبولوجيا. لكن، لم يشر أحد إلى النظرة العنصرية التي تميز بها كلود ليفي ستروس إلى الإسلام والمسلمين اللهم إلا الفيلسوف الفرنسي روجي بول دروا Roger Paul Droit في مقالة له بصحيفة لوموند. فلقد لخص جهود هذا العالم، لكن، لم تفته الإشارة في جملة خاطفة إلى أن نظرته إلى الإسلام والمسلمين كان من الممكن أن تتسبب في ردود عنيفة ضده. وهو يقصد بذلك إلى أن ليفي ستروس لم يكن محايدا حيال العالم الإسلامي حين تطرق بالحديث عنه في كتابه (مدارات حزينة). هذه الحقيقة كان قد حدثني عنها أستاذي مروان قنواتي في كلية الآداب، قسم الترجمة، في أواخر الستينات من القرن الماضي، وقال لي بالحرف الواحد إن كلود ليفي ستروس تحدث عن الشعوب والقبائل عبر العالم بمنطق وضعي فأنصفها، ولكن، حين اقترب من عالم الإسلام والمسلمين حاد عن النهج العلمي. وكان مروان قنواتي يومها يعد العدة لمناقشة أطروحة الدكتوراه في علم الاجتماع على يدي عالم اجتماعي اسمه ستوتزل. شخصيا، لاحظت مثل هذا الموقف العنصري الشائن لدى جميع المفكرين من ذوي أصل يهودي. فإذا لم يكن الإنصاف ديدنهم، وجدتهم يغرقون في يهوديتهم جاعلين منها منارة المنارات. لمست ذلك لدى الفيلسوف (ميشيل سير) و(برنارد هنري ليفي) و(غلوكسمان) و(برنارد لويس) ومن لف لفهم من المفكرين اليهود. وذلك يعني أن الجانب العلمي لديهم جميعا في حاجة إلى أن يتراص ويتمتن بالإقلاع عن الجانب العرقي الذي يميز أفكارهم جميعا. بل إن العديد منهم يعربون بطريقة مباشرة أوغير مباشرة عن ارتباطهم بالصهيونية على غرار ما يفعل ذلك برنارد هنري ليفي في فرنسا. الذين يتابعون نشاطه الفكري يتصورون أنه مفكر من طراز جان بول سارتر، أومن طراز ريمون آرون، ذلك الذي لم يكن يخفي يهوديته وتصهينه، لكن الحقيقة سرعان ما تطفو إلى السطح عندما يتعلق الأمر بالحديث عن فلسطين والفلسطينيين. عجبا لهم من مفكرين ينسون البلد الذي يحملون جنسيته ويعيشون فيه ويبدعون فيه، ولا يعملون في حقيقة الأمر إلا على الارتباط بأصولهم اليهودية، الصهيونية في معظم الأحوال. والغريب هو أننا عندما نشير إلى هذا الجانب السلبي في سلوكهم السياسي والاجتماعي نوصم بمعاداة السامية، بل إننا نجد من بيننا من يناصرهم باسم العلم والبحث الاجتماعي الرصين.