لم يكن مصطفى بوتفليقة باحثا عن الأضواء والنجومية، ولم يكن يوما يسعى وراء المناصب، إذ لم يطلبها يوما، فقد كان عمله في مستشفى بني مسوس بالعاصمة كطبيب مختص كافيا له للعيش في طمأنينة وهناء. تولى مصطفى بوتفليقة في فترة حكم شقيقه رئيس الجمهورية مهمّات صعبة ومعقّدة، قام بها دون تكليف رسمي لتوضيح الأمور، ووضع الناس على بينة من الكثير مما تعيشه الجزائر. وقد ساهم في العديد من المرات في توضيح الصورة للعديد من الجزائريين، سواء كانوا إعلاميين، رسميين أو حتى مواطنين بسطاء، حتى يعرفون حجم المهام والصّعوبات التي يمكن أن يلاقيها رجل يتولىّ مهمّات رئيس الجمهورية. وكان مصطفى رحمة الله- يتحدّث إلى النّاس ليرد على تساؤلاتهم دون تكلف وبعيدا عن الأضواء، للدّفاع عن سياسة رئيس الجمهورية ولنقل صورة ما يحدث في الشّارع. وفي كل مرّة كان مصطفى يدعو إلى فعل الخير وإلى الصبر والإحتساب عندما يتحدث إلى أشخاص يواجهون مظالم، ولكن بالمقابل كان يفعل المستحيل لرفع الغبن عنهم وإنصافهم دون الحاجة إلى قول ذلك لهم. الدّكتور مصطفى بوتفليقة في ذمّة الله أعلن مصدر رسمي أنّ الدّكتور مصطفى بوتفليقة شقيق رئيس الجمهورية، قد توفي أمس الجمعة،إثر مرض عضال لازمه منذ أكثر من سنة. وانتقل الفقيد إلى رحمة الله سنة بعد وفاة والدته. وكشف المصدر ذاته؛ حسب ما أوردت وكالة الأنباء الجزائرية، أنّ الرّاحل مصطفى بوتفليقة سيوارى التراب غدا السبت، بعد صلاة الظهر بمقبرة بن عكنون بالعاصمة، وهي نفس المقبرة التي شيعت إليها قبل سنة بالضبط جثمان الراحلة والدة رئيس الجمهورية. ويعتبر الدكتور مصطفى بوتفليقة الذي شغل إلى غاية وفاته منصب مستشار برئاسة الجمهورية، أحد إخوة رئيس الجمهورية الذين كانوا منذ الأيام الأولى لتوليه إلى جنب الرئيس في الترشح ومواجهة مختلف الحملات التي استهدفت شخصه وسياسته، إلى جانب شقيقه الثاني السعيد بوتفليقة. وظلّ مصطفى بوتفليقة وهو طبيب مختص في أمراض الأنف والحنجرة، لفترة طويلة بمستشفى بني مسوس بالعاصمة، أحد الأعمدة رفقة شقيقه السعيد بوتفليقة، التي يعتمد عليها رئيس الجمهورية في الإصغاء والإهتمام بما يحدث للجزائريين. وكان مصطفى بوتفليقة - رحمة الله لا يرى سواء أمام الرّسميين أو الصحافيين أو عموم الناس إلا في حالتين؛ الأولى في الزيارات الرّسمية للرئيس في الولايات، وحينها يكون راجلا كأي مواطن جاء في استقبال رئيس الجمهورية، أو في شوارع العاصمة متنقلا ببساطة التي عهد بها منذ سنوات طويلة. ومثلما حرص الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على أن تكون جنازة والدته وكل المراسيم المتعلقة بها بعيدة عن البروتوكولات الرّسمية، فقد حرص هذه المرة مجددا على أن تلتزم كل المؤسسات والهيئات الرّسمية بنفس التدابير التي أقرّها منذ عام، احتراما لرغبة العائلة. كان عرضة للإشاعات وواجه القدر بصبر واحتساب رحل مصطفى بوتفليقة بعد رحلة علاج دامت سنة ونصف، ابتلي فيها البلاء الحسن، وظل طوال هذه الفترة يواجه المرض بصبر واحتساب كبير، وقد كان شقيقه الأصغر السعيد بوتفليقة مرافقه الدائم في رحلة العلاج إلى اللّحظة الأخيرة. وبالرّغم من تأثر الرئيس بوتفليقة الشديد برحيل والدته، والذي تزامن مع مرض شقيقه الأصغر مصطفى، إلا أنه واجه المحنة بحزم كبير، إذ تولى متابعة رحلة العلاج أول بأول دون أن ينتبه غالبية الجزائريين إلى المعاناة التي كان يعيشها رئيس الجمهورية وهو يفارق والدته، ثم يفاجأ بمرض شقيقه الذي كان أحد الإثنين الأكثر وقوفا معه في كل المحن التي واجهها منذ سنوات طويلة. وبسبب الصّلة الخاصّة المميزة التي تجمع رئيس الجمهورية بأشقائه، فقد تركزت حملة الإشاعات التي تستهدف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة خلال الأشهر الأخيرة، على نقل معلومات كاذبة بشأن وفاة مصطفى بغرض التأثير على عزيمة الرئيس الذي اضطر إلى تنظيم لقاء عائلي أمام الكاميرات، بمناسبة زيارة اللاعب ذي الأصول الجزائرية زين الدين زيدان، فقط لتبيان عدم صحة المعلومات التي تناقلتها الكثير من الأوساط بما في ذلك الرّسمية عن الراحل. فاجعتان تنغّصان حياة الرّئيس بوتفليقة في عام فاجعة هي الثانية من نوعها، في أقل من سنة، مسّت الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي وجد صعوبة كبيرة في نسيان مصيبته الأولى، بعد فقدانه لوالدته المرحومة ''الحاجة منصورية غزلاوي''، باعتبارها أقرب المقرّبين له، فالوالدة توفيت العام المنصرم في الخامس من شهر جويلية، وشقيقه الدكتور مصطفى توفي أمس، إثر مرض عضال وهو أيضا من أقرب مقربيه في العائلة. سنة إلا ثلاثة أيام بالتمام بين وفاة الوالدة والشقيق، ليجد الرئيس نفسه بعد أقل من سنة يمر بنفس التجربة المُرة، التي حاول ورغم صعوبتها تجاوزها، حيث نقل مقربون أن بوتفليقة الإبن، سعى بكل جهده إلى تجاوز أزمة فقدان الوالدة التي كانت سرّه وأمانه، وجامعة شمل الأسرة، غير أنّه وبعد أقل من سنة، تلقى مصيبة أخرى بفقدان أحد أقرب أشقائه، لتتكرر التجربة بمرارتها. وكان آخر ظهور لشقيق الرئيس في الفاتح من مارس المنصرم، في لقاء عائلي جمع أفراد عائلة الرئيس باللاّعب الفرنسي ذي الأصول الجزائرية، ولم يكن اللّقاء إلا طريقة حاول من خلالها الرئيس مواجهة حملة الإشاعات التي استهدفته، والتي بدأت من وسائل الإعلام الفرنسية. عائلة بسيطة متماسكة ببركات الوالدة ويذكر جيران الرئيس؛ أن أفراد عائلة بوتفليقة يتمتعون ببساطة التّعامل والتّواضع، حيث يخيّل إلى كل من يتقرب منها أنّه رفقة مواطنين بسطاء يتصرفون بكل عفوية وبساطة، وهو ما لمسته ''النهار'' لدى ولوجها المنزل العائلي لرئيس الجمهورية يوم وفاة والدته رحمها الله، حيث فوجئت بأبواب المنزل مفتوحة على مصراعيها لكل الراغبين في تقديم التعازي، بدون تفتيش أو حتى سؤال عن هوية المتقربين، كما شدّ انتباهها بساطة التأثيث وبساطة العائلة من زوجات الإخوة والخالات، إلى الأحفاد وأبناء وبنات الإخوة، فلا تكلف في اللباس ولا تكلف في التعامل، وكان أكثر شيء شدّنا؛ هو تماسك العائلة التي يؤكد مقربوها من أنّها عادة موروثة كانت ''الحاجة منصورية'' تؤكد عليها في كل مرة، لتبقى متماسكة بعد وفاتها. وبالعودة إلى تلك الفترة نستذكر أن الرئيس ورغم أنّه المسؤول الأول عن مؤسسات الدولة، غير أنّه لم يوظّف سلطته لفرض حداد على المؤسسات العمومية ولا أجهزة الدّولة، عقب وفاة والدته، كما لم يسع حتى لتصوير مراسيم تشييع الجنازة، وحرص على أن تكون مناسبة عائلية، لا يجب تسخير وسائل الدولة لها، عكس ما يقوم به رؤساء الدّول والحكومات. دليلة ب