'حدثنا فارس العربان وقاهر الألمان، الجزائري رابح سعدان عمّا جرى في موقعة ''أم درمان'' في صحراء السودان، فقال ''قبل شد الرحال إلى أم الحرائر التي احتضنت أسود الجزائر استضفنا في البليدة أولاد فرعون وبسطنا لهم من كرم وشهامة الضيافة فنون، أهديناهم وردا وعاهدناهم ودا وأمطرنا أيضا شباكهم بثلاثة أهداف عدًّا• ومضت الأيام حتى سمعنا بخروج جرذ من جحور العفن، من قناة الخزي والرعي قالوا لنا إن اسمه عمرو أديب صايع المنبت وغير أديب، سوابقه في العهر عجيب، وروي عنه أنه ضبطوه ذات مرة تحت سيقان (الداعرة الواوة) يرقص على واحدة ونص في أرخص غباوة•• هذا الهلفوت البليد هدد وتوعد ودعى على الجزائر بالتنكيد وضحك الناس في كل الدنيا على النكتة البايخة ولعنوا هذه النار النافخة وقالوا عنه هو واحد من البلطجية لا يساوي قرشا من الأهمية وسط ثمانين مليون أفنديه• غير أن قنوات الكوارع عادت وامتلأت عن آخرها بأولاد الشوارع بمن خابوا في الكرة والدراسة وتحوّلوا إلى كلاب حراسة يقطرون بالنذالة والخساسة، ملأوا القلوب حقدا وصوّروا الحمار في فضائياتهم قردا وأوهموا الغلابى أن مصر ستنتشلهم من الجحور والقبور بعد أن تحقق معركة العبور على شاكلة عبدو المنحور وشلبي وحجازي شيخ الفجور والواد سيد الشغال غندور•• واستبشرت أرض الكنانة وغنت (ياحبيبتي يا مصر!) وشيّدت جسرا من أحلام الورق بمواد كلها من غش وغرور وحمق وجاءوا (بهيفاء الواوة) العارية لتؤازرهم في المعركة الضارية فقالت في خطبة نارية ''لن أبوس محاربي الصحراء، فهم أجلاف وأشداء، أبوس من يرقص مثلي، ويدلع وعلى مصر المحروسة يولع، الفزائر مش حتنفع!'' وساندتها أختها في رضاعة هز الوسط (نانسي الشخابيط)• فريق مصر ساندته خريجات الملاهي وتهريج المسارح، وفريق ''الخضر'' تحلقت حوله الطيور الجوارح، ثم صمت شيخ شيوخ الميدان برهة من الزمان وأردف ''ضحكنا والله وقتها على قنوات المساطيل والذين نسميهم عندنا في الجزائر بالطنوحة والمهابيل'' وما يصرح به أشباه الرجال وماهم برجال! وأباطيلهم بأنهم حررونا من الاستعمار وهم في الأصل من خذلوا القدس وباعوه بالدولار، وانبطحوا على بطونهم في ذلة واحتقار•• عرفناهم على خط النار يرفعون السلاح ويهتفون كالجياح (ياربي جيبها في قلبوا!) وأنكروا أن صناديد الجزائر كانوا يتقدمون الصفوف واستشهدوا على أرضهم بالألوف وباعوا أفنديتهم ما تبقى في سوق النخاسة القضية•، خذلونا في زحمة الهتافات، ألم يصدح المتنبي شعرا من قرون عن مصر ''كم في ذي مصر من مضحكات!؟ هم من لوّث الفكر العربي بدخان المسلسلات من (أبي فوق الشجرة) إلى (راجل و60 ستات)؟! حتى في أفلامهم ينتجون الحقارة، فالباشا هو صاحب العمارة والسوداني طباخ أو حارس، ولا فقر في المحروسة ولا بائس! شعب خدروه بالحب والدلع حتى تاه في قاع الوجع، المهم حزمنا أمتعنا لتحضير لقاء الخرفان وما لبثنا أن عدنا كما ذهبنا في أوج التحدي والإصرار على افتكاك الانتصار ولحظة وصلنا المطار خُدعنا أيما خداع ونحن نرى حمائم زاهر وقد لبست ثياب الذئاب الجياع، هاجمنا أنصارهم كالكلاب المسعورة وكأننا جئنا من حدود سيناء المتدهورة وبمشقة تسللنا من الحصار وركبنا الأتوبيس، فرشقونا بالحجارة أنصار إبليس حتى أدموا رؤوس اللاعبين•• كانت خديعة الملاعين شاهدها الملايين، وراحت بعدها صحافة الجواميس تفبرك (حدوثة الأتوبيس) وقالت إن الدماء التي في الجماجم هي (صلصة طماطم) وأن اللاعبين هم من ضربوا رؤوسهم وأنها مسرحية تعجب لهم البواب والباشا وبيّاع الفول والطعمية في سوق الأزبكية• قلنا لهم نحن كبار لا تكسرنا حماقات الصغار ''وفي استاد القاهرة أبلينا البلاء الحسن وصنعنا ملحمة بطولية رغم الهزيمة• ولأنهم أرادوا أن يحطموا فينا العزيمة، هاجت الدنيا بعدها وماجت، جنّدوا البوليس والحرامية، طاردوا أبناءنا في الشوارع والطرقات، ضربوهم، شتموهم هاجموهم بالحجارة والعصي في الحافلات، أغلقوا عليهم كما أغلقوا على الأطفال الرضع معبر رفح في صورة قذرة من القبح•• نزعوا حتى خمار النساء، سفلة• جرحى في المستشفيات••مفقودون في الحارات•• وطوينا صفحة الرخص الفرعوني بلا نسيان وفي قلوبنا سكن الإيمان لملاقاتهم في (أدم درمان) هناك شاهدنا شعبا يشرب من ماء النيل الصافي كريم وللرجال لا يجافي، في السودان ظهر الحق وبان وصمتت أبواق الجبن والخذلان وأغلقت مواخير دريم وموردن الحريم وهبط الكل في قاع الجحيم لما شاهدوا الرايات الخضراء تبزغ في كل مكان •• شباب جزائري عجنته المحن يهتفون لأشباب سعدان، ويزلزلون الأرض تحت أقدام للمان، فصُدم جمهور المحروسة الغلبان المدعوم ويا للمهزلة بكومبارس بني عريان من الرايات التي رفعها الجيران، شعروا أنهم للهزيمة منبطحون•• وما هي سوى لحظات حتى اهتزت المدرجات، لقد فعلها عنتر وخلص عبلة من العمدة•• خرب شباك الحضري بقذفة سكنت بيت الشيطان! بكى من هولها الجدعان وزغردت لها جموع النسوان وسقطت من أثرها ورثة آل مبارك في حكم جمهورية المضاحك! وانتصرنا، مرغنا وجوه الظلمة في الوحل، كنا ندرك أننا من طينة الأبطال منذ الأزل فقد زادوا من إضحاك الدنيا بمسلسل الرؤوس والمناخير الدامية، قالوا ضربونا البلطجية بالسكاكين وعادوا لفتح الدكاكين••ما صبروا على روائح قنوات المراحيض القذرة التي زادت من تلويث جو القاهرة•• روائح أشبه بأنفاس العاهرة•• أما نحن فقد انشغلنا بما هو قادم، سفرية إلى بلاد العم مانديلا لصنع الملاحم، يا مصر البسي ثوب الحداد، قد مضى زمن الوداد• بتصرف