''تعليم الفتاة صمام أمان للأجيال القادمة•• تعليم الفتاة واجب ديني ووطني، وإذا علمت رجلاً فإنك علمت فرداً وإذا علمت امرأة فإنك علمت مجتمعاً بأكلمه''•• هذه الشعارات وغيرها أصبحت مجرد كلمات جميلة تبقى حبرًا على ورق ولم تجسد فعليًا على أرض الواقع لعدة أسباب وظروف• وحاول المسؤولون على المنظومة التربوية بولاية أم البواقي بذل قصارى جهودهم قصد الحد من ظاهرة تسرب الفتاة من المدرسة، والتي أصبحت مشكلة كبيرة تواجه معظم مدارس الولاية• لكن ومع هذا، هناك بارقة أمل في إصرار بعض البنات اللاتي انقطعن عن دراستهن وعدن إليها يحملن إصراراً عجيباً على الالتحاق بالصفوف الدراسية للتحصيل العلمي، فالتعليم واجب ليس مقتصراً على الرجل فقط بل حتى الفتاة، ولكن مع هذا أصبحت مدارسنا منحصرة في واجب العلم على الرجل فقط دون المرأة، وأصبح تعليم الفتاة يشكل عائقاً أمام تخلف المجتمع المحلي الذي هو مجتمع ذكوري بامتياز•• ومع هذا بات تعليم الفتاة أمرًا ضروريًا• التعليم من حق الذكور فقط••! ''العلم حلم أي فتاة وشيء تفتخر به مدى الحياة، والحياة بدون علم أو تعليم لا معنى لها ولا ذوق''•• هكذا قالت الطالبة (رميساء•ك) من أولاد زواي، انقطعت عن الدراسة مدة ثم عادت إليها ثم انقطعت عنها نهائياً، والسبب في ذلك هي العادات والتقاليد البالية لدى عائلتها• وتشرح لنا رميسا هذا قائلة، والدموع لم تفارق عيناها، :''كان لدي حافز كبير عندما عدت إلى المدرسة بعد انقطاع دام زمنا قصيرا، ولكن سرعان ما ذهب هذا الحافز حين وجدت معارضة من الأهل''، فالعادات في عائلتها تحرّم على الفتاة إكمال دراستها، كما أنها الأخت الكبرى ولها مسؤوليات والتزامات أكبر خاصة بعد وفاة والدتها• أما (لمياء•ح) من قصر الصبيحي، والتي كانت من الأوائل في المدرسة، انقطعت عن الدراسة نهائيًا بسبب العادات في المجتمع القروي الذي حاصر أحلامها، وكانت لمياء تحلم بأن تصبح طبيبة ولكن هذا الحلم تلاشى وتبخر• سألناها إذا كانت تفكر في العودة إلى المدرسة مرة أخرى، أجابت بتحسر:''أريد أن أعود اليوم قبل الغد ولكن أهلي لن يوافقوا، ولكن سيظل أملي أن أعود، ولكن متى وزواجي قريب جداً، أعد أيام أحلامي لأعود إلى المدرسة وأعد الأيام بقرب يوم زواجي•• أنا لست معارضة لزواجي بقدر ما أنا أعارض فقط صغر سني عن الزواج، فسني لا يؤهلني لأن أكون زوجة بل أنا أريد أن أكون طالبة مرة أخرى في كرسي المدرسة الذي اشتاق إلي واشتقت إليه''• مشكلة الشقيقة الكبرى•• التقينا (أمال•ت) من عين مليلة، تسربت من المدرسة ثم عادت إليها، وهي الآن تدرس في الصف الثالث ثانوي ومقبلة على اجتياز شهادة البكالوريا العام المقبل كمترشحة حرة• قالت المتحدثة إنها خرجت في صف الخامسة ابتدائي لظروف عائلية، فوالدتها في تلك الفترة كانت مريضة، وبصفتها البنت الكبرى أجبرت على الاعتناء بإخوتها الصغار، ''فكان علي أن أضحي بمستقبلي الدراسي فخرجت من المدرسة لكي أرعى إخوتي بعد غياب أمي''• وأضافت المتحدثة أنها عادت إليها بعد أن شجعتها إحدى زميلاتها الطالبات التي أعطتها حافزاً لكي تواصل دراستها من خلال التعلم عن بعد• أما (رتاج•ط)، طالبة في إحدى ثانويات عين البيضاء، عادت إلى الدراسة ولكن بعدما انقطعت لمدة زمنية بسبب رفض والدها مواصلتها مزاولة الدراسة لأنها أصبحت امرأة ناضجة وجميلة وهي محط أطماع الرجال، ومكانها الطبيعي المنزل إلى أن يدق بابها فارس أحلامها• لكنها عادت إلى الدراسة بعد وفاة والدها واقتناع شقيقها الأكبر وولي أمرها بضرورة إتمامها دراستها، وهي ليست نادمة على فترة انقطاعها، طالما أنها امتثلت لأوامر والدها المرحوم، لأنه هو الذي جعلها تنقطع رغماً عنها بسبب التقاليد والأعراف لا غير• العادات والتقاليد•• الشبح المخيف أوضحت حنان بلحاتم ،أخصائية اجتماعية، ل''الفجر''، أن ''أهم أسباب جعل الفتاة تتسرب من المدرسة هو الزواج، وكذلك بعد السكن عن المدرسة، والعادات والتقاليد، وبعض المسؤوليات والالتزامات، وانتشار بعض الآفات الاجتماعية الخطيرة كالاغتصاب والتحرش الجنسي''• وأضافت أنها قامت، رفقة زملاء لها، بزيارة بعض الأسر وإجراء بعض التحريات لبعض أولياء الأمور الذين تسربت بناتهم من المدرسة، مشيرة إلى أنهم نجحوا في إعادة بنات إلى مقاعد الدراسة، مؤكدة أن أكثر المناطق التي يمسها التسرب المدرسي للبنات هي النائية والمعزولة والأرياف والقرى• كشفت الأستاذة بلقيس خير الله، أستاذة بجامعة أم البواقي وخبيرة في علم الاجتماع، ل ''الفجر'' أن دوافع وأسباب تسرب الفتيات بولاية أم البواقي تتعلق بالعادات والتقاليد التي تدفع العائلات والأسر إلى الامتناع عن إرسال البنات للمدارس بعد أن تصل سنًا محددة، وكذلك حاجة الأسرة إلى عمل البنت في المنزل والمساعدة في تربية إخوتها الصغار وتحضير نفسها للزواج بمسؤولياته الكبيرة والثقيلة• وتحدثت المختصة عن الأسباب الاقتصادية المتعلقة بتدني دخل الأسر وعدم قدرتها على مواجهة الأعباء المالية للتعليم، من رسوم دراسية وتكاليف كتب ومتطلبات دراسية أخرى تفرضها المدارس، فتعمل الأسر على الاكتفاء بإرسال الذكور وإبقاء الإناث في المنزل، وكذلك شعور الأسر بأنه لا يوجد مردود في تعليم البنات، حيث إن البنت مصيرها الزواج فلا فائدة تعود على الأسرة من تعليمها• وأضافت المتحدثة أسباب تعليمية منها بعد المدرسة عن مواقع السكن، خاصة في المناطق الريفية، مما يؤدي إلى امتناع الأسر عن إرسال بناتها إلى المدرسة، وكذلك موقع المدارس في مناطق مكتظة بالناس مثل الأسواق ورفض الأسر أن تجتاز البنات هذه الحشود للوصول إلى المدرسة، وأيضاً عدم توفر المعلمات من الإناث ورفض الأسر أن تدرس البنات من قبل مدرسين ذكور• اغتصاب، اعتداءات جسدية، تحرشات ومساومات وفي هذا الصدد يقول مصدر تربوي محلي عليم ل ''الفجر'' إنه تم إحصاء العام الماضي 10 حالات اعتداء جنسي على متمدرسات داخل المدارس بكل من عين مليلة وعين البيضاء وسوق نعمان وأم البواقي، وذلك من طرف زملائهن الذكور، إلى جانب تعرض 3 طالبات إلى عمليات اغتصاب من طرف بعض الأساتذة، كما تم تسجيل تعرض 15 طالبة إلى اعتداء جسدي و89 طالبة لمساومات جنسية• والمفارقة أن كل هذه الحوادث تمت داخل المدارس وحتى داخل الأقسام والحجرات• أما عدد الاعتداءات المسجلة خارج المدارس فهي حوالي 150 حالة أسفرت عن ثبوت حمل 7 طالبات لم تتعد أعمارهن ال 17 سنة• من جهة أخرى، ذكرت مصادر متطابقة ل ''الفجر'' إنه تم إحصاء رقم مخيف في عدد الطالبات المتسربات من المدارس لأسباب متفاوتة بولاية أم البواقي، حيث تم تسجيل حوالي 1221 طالبة انقطعت عن الدراسة، خلال الموسم الدراسي 2008-,2009 تبلغ أعمارهن بين 11 و19 سنة، فيما تم تسجيل انقطاع 222 طالبة عن الدراسة، خلال الموسم الدراسي الجاري• نحو تأنيث كلي لبعض المدارس بأم البواقي التقت ''الفجر'' بمديرة إحدى المؤسسات التعليمية بأم البواقي، فقالت إن أهم سبب يجعل الفتاة تتسرب من المدرسة هو تفضيل الصبي على البنت وبعد المنزل عن المدرسة• كما أوضحت المديرة، مريم مرازقة، أن أهم المناطق التي يتم التسرب فيها هي القرى والأرياف، وهناك فجوة كبيرة في عدم التحاق الفتاة بالمدرسة تصل إلى 10 بالمائة• وتشير المتحدثة إلى أنها حاولت دمج بعض الطالبات اللاتي عدن إلى مدارسهن بعد انقطاع وجيز، وكان هناك إقبال منهن على العودة وتمت مساعدتهن على ذلك• كما قالت إن هناك فكرة في تأنيث المدارس في بعض المناطق التي تعرف نسبا متزايدة في انقطاع البنات عن الدراسة، وذلك من خلال إحضار طاقم تدريس من النساء في هذه المدارس، وهذا يشجع أولياء الأمور على إرسال بناتهم، لأن هناك أسراً ترفض أن يدرس بناتهم مدرسون ذكور، لهذا هناك فكرة في تأنيث مدارس معينة في مناطق محددة• الأم مدرسة إذا أعددتها••• تظل قضية تسرب الفتيات تعكر صفو التنمية في المجتمع المحلي لأم البواقي، حيث إن المعدلات والنسب التي يتم رصدها من موسم لآخر تتزايد بشكل مخيف• وأصبحت هذه الظاهرة مستفحلة في مجتمعنا ولا توضع الحلول المناسبة للحد من هذه الظاهرة، فليس بالنزول إلى المنازل وحده بل حتى بإشراك وسائل الإعلام في إعطاء أهمية لتعليم الفتاة، لأنه كلما ازدادت نسبة الأمية في المجتمع زاد تخلف أفراد المجتمع، وتعليم الفتاة هو واجب ديني ووطني يساعد على إنشاء جيل صالح•