حلم بعض الدعاة الذين انساقوا وراء التأثير الآني للخطاب الديني الذي تشبثوا به برفع الأذان من أعلى برج بيزا المائل؛ ومن هؤلاء الداعية المصري عبد الحميد كشك الذي انفجر باكيا بمجرد سماعه أخبارا تفيد بأن البرج الذي صمد مائلا أكثر من ثمانية قرون قد حان موعد انهياره• بالطبع لم يبك كشك لكونه أحس بأن الحضارة الإنسانية ستفقد معلما تاريخيا كان دليلا قاطعا بأن النهضة الإيطالية صنيعة العباقرة كمهندسي البرج من أمثال بونانو بيزانو وتومازو دي أندريا، لأن هؤلاء بنظره مدرجون ضمن مصنّف خاص بهم بحسب التسلسل الأبجدي للتعصب الديني، ولم يبك بدافع التسامح الذي من المفروض أن يشعر به إزاء حملة الإنجيل الذين يترقبون لحظة الانهيار المفجع لجرس الكاتدرائية العتيقة ولا لغيره• وبما أنه لم يبك لهذه الأسباب فما الدافع الذي كان وراء بكائه؟ لقد سأل أحد التلاميذ كشك عن سبب البكاء فأجاب بكونه شديد الحزن لسماعه بأن برج بيزا آيل للانهيار من دون أن يحقق حلما راوده حتى أصبح هاجسه الأساسي، ألا وهو رفع الأذان من أعلى هذا البرج• إنها لمفارقة كبرى تلك التي تميز حلم الشيخ الذي أراد أن يجعل صوامع الكنائس تهتز لصوت الأذان وبين ما يتهدد مآذن المساجد بحد ذاتها في بلاد الغرب حاليا، فلو عاد كشك إلى الحياة ثانية لبكى بشدة حين يكتشف أن حلمه تحقق لكن بالنقيض، ويدرك أن مآذن المساجد مطوقة بأياد عنصرية لتيار اليمين المتطرف• لو بعث مجددا سوف يعلم بأنه حلم حلما يتقاسم مع الوهم أشكال المستحيل! لقد كان حلمه أكبر بكثير من قدرات الأمة التي ينتمي إليها، ولم تسعفه الحياة ليرى أن الهندسة باتت تعمل على ابتكار تصاميم جديدة للمساجد تجعلها مغتربة في الفضاء الذي تشغله• لو عاد الشيخ إلى الحياة ثانية لسحب حلمه بهدوء دونما لفت للانتباه، ولاكتفى بحلم بسيط يتمثل في إبقاء صوامع المساجد منتصبة في عقر دار حملة الصليب الذين يرتجفون من مرض فوبيا الإسلام، ولبكى تضرعا للّه ألا نذوق نحن المسلمين المرارة التي شعر بها أتباع البوذية حين انهالت معاول الطالبان على تماثيل بوذا رغم تدخلات منظمة اليونسكو لحمايتها• لقد حان الوقت أن نفهم نحن المسلمين ما معنى أن تعبث قرارات عنصرية بهندسة مساجد عمّرت أكثر من أربعة عشر قرنا كما فهم أتباع البوذية منذ سنوات ما معنى أن تعبث فتاوى المتزمتين من أمثال الملا محمد عمر بمعالم بوذية عمّرت ألفي سنة• لقد آن الوقت لنحسّ بمخاطر التطرف والتطاول على المقدسات، وأن يعتصرنا الأسى لو حدث - لا قدر اللّه - أن صور الغرب مرضى فوبيا الإسلام يسوون مآذن المساجد بالأرض• فلنكف عن الحلم باحتلال مقدسات الغير لأن مثل هذه الأحلام تجعل الغرب يتساءل: إذا كان المسلمون رغم ضعفهم وسباتهم لا يحلمون إلا بالأذان من أعلى الكاتدرائيات، فماذا لو استفاقوا من نومهم العميق واشتدت قوتهم؟ فلنكف عن الحلم بالأذان ببرج بيزا لأن هذا يعتبر تخديرا للمسلمين وشغلهم عن رفع الأذان بالمسجد الأقصى المبارك• ولأنه في حالة ما إذا بقينا نحلم كالصعاليك بسلب ما هو لغيرنا، سندفع العالم بأسره ليستكثر علينا رؤية الهلال في السماء وعدة التقويم الهجري• حان الوقت ألا نشغل مخيلتنا بإطفاء نار زرادشت بماء زمزم؛ أو إسكات رنين أجراس الكنائس؛ أو توقيف دورة تناسخ الأرواح البوذية الناشدة للخلاص والانعتاق من الشهوات•