ما يزال كثيرون يعتقدون أن تنظيم القاعدة هو حقا شوكة في خاصرة الأمريكيين، وأن أفراد هذه المنظمة هم من الذين يشكلون كابوسا يعترض خط سير القوة العظمى منذ تلك التفجيرات الإجرامية التي يقال أن القاعدة نفذتها في نيويورك و واشنطن، صبيحة ذلك الثلاثاء الأسود على أميركا - وعلى العالم بعد ذلك - في العام 2001. كتبت قبل فترة في هذه الزاوية أن تلك الأحداث الأليمة لا يقبلها أي قلب سوي وعقل بشري متوازن، وقد نلت بالمناسبة نصيبي من السب و الشتم، أن زعيم القاعدة أسامة بن لادن بات يمثل أكبر خطر يواجه الإسلام والمسلمين وليس الغرب أو(الصليبيين كما يزعم) لأن الأمر في غاية الوضوح وفي وسع كل شخص أن يجري جرد حساب بسيط حتى يقف بأم عينيه على عدد الذين قتلتهم القاعدة ثم يميز بين هوياتهم، ليكتشف أن الغالبية الساحقة من هؤلاء، ليسوا من ”الصليبيين” ولا هم من ”الكفار” بل إنهم من المسلمين الذين يعيشون مشكلات لا حصر لها وأزمات معيشية تنتهك كرامتهم بشكل يجعلهم في غير حاجة إلى أن تتبعثر أشلاؤهم في شوارع مدن عالمنا العربي والإسلامي، فضلا عن العالم برمته، كما جرى عندنا في العاصمة الجزائرية في أفريل 2007 أو ديسمبر من العام نفسه على سبيل المثال لا الحصر! بالمختصر المفيد وحتى لا ألف كثيرا على الموضوع - إذ من عادتي الخروج كثيرا عن صلب ما أنوي قوله - فأنا مؤمن بأن القاعدة هذه، سواء أحب ذلك من يتوسمون فيها الخير أم كرهوا، هي ورم سرطاني لا تنفع معه المسكنات ولا توقف تطوره المهدئات، لأنها همّ حضاري يتطلب أن تكون الأمة كلها مدركة لضرورة مساهمتها في الحد منه حتى لا يستحيل سأما ميئوسا من علاجه! بالتالي فإن مواجهة القاعدة ليست عملية أمنية فحسب ولا حتى أنها عملية فكرية دعوية، بل حتى إن التضييق على المؤسسات الخيرية مثلا، كما يرى البعض على أساس أن هذه الأخيرة هي مصدر تمويل للتنظيم، لا يعدو أن يكون طرحا ساذجا يوشك أن يأخذ الخيرين بجريرة الخبيثين، مما يعني أن سلوك طرق استفزازية و خطوات بوليسية متحرشة تعتمد على الوشاة، كما هي أساليب التحقيقات عندنا، قد يؤدي إلى حدوث العكس فيضيف لأكاديمية الجريمة هذه المتدثرة بلبوس الدين، موردا جديدا وخزّانا بشريا يسعى للإنتقام. من هنا فإن القضية أكبر من ذلك بكثير، وتتطلب على أقل تقدير أن يتم ردع أولئك المشايخ الذين يبررون الإجرام ويفرحون لمقتل الآمنين. إذ ليس هنالك أي فرق بين شيخ يبرر قتل الناس دونما ضابط أخلاقي ولا وازع ديني، وبين أولئك المسيحيين المتصهينين في أمريكا مثلا الذين يتحركون عبر تناقضاتنا ومساوئنا فيمررون رغباتهم في الاستيلاء على المنطقة ونفطها، عبر خطابات الحرية والديمقراطية، ويتبعهم في ذلك أولئك المطبلون والمزمرون من بني جلدتنا من الذين باتوا يؤدون أدوار عمالة مكشوفة ويجهدون أنفسهم في سبيل شرح ما لا يؤمن الأمريكيون أنفسهم بصوابيته. إن الذين يهللون لقتل المدنيين في العراق مثلا ويعتبرون ذلك مقاومة، هم مجرمون أيضا ولا يقل إجرامهم سوءا عن إجرام الذين يستغلون عواطف المتدينين السذج ليحيلوهم إلى قنابل بشرية متحركة تترصد التجمعات البشرية، لتقتل أكبر عدد ممكن من الناس بدعوى الجهاد والإستشهاد، وما إلى ذلك من كلمات يفترض أنها طاهرة قبل أن يجعل منها هؤلاء الأوباش وشيوخهم، مصطلحات نكاد نتمنى أنها ما وجدت في الدين. مختصر الكلام أن هذه السلوكيات المجرمة هي بلا أدنى شك، أكبر سبة تلحق بالدين الحنيف لأن صورة النبي الكريم - صلى الله عليه و سلم - لن تضرها رسوم تافهة تنشرها جريدة مغمورة في الدنمارك ولا حتى كتبا تطبع في الولاياتالمتحدة أو مسرحيات في ألمانيا.. إن صورة الدين ومكانة نبيّه عبر العالم إنما تشوهت بهذه السلوكيات الدموية وهذه العقليات المتحجرة البليدة التي تأبى الخروج من أدران الماضي وقرون الجور والخمول، إلى القرن الحادي والعشرين الذي بات العالم فيه قرية صغيرة لا يكاد شيء أن يكون سرا فيها! من القطعي أخيرا، أن الظلم لا يحارَب بالظلم وليست أمريكا نموذجا ومعيارا أخلاقيا حتى يعلق المجرمون قبحهم بممارساتها، بمعنى أن أساس استئصال هذا الورم يمر حتما عبر مزيد من العدالة والحرية وليس عبر مزيد من التجبر و التسلط ونهب المال العام دونما محاسبة، فالظلم هو أكبر ”مكتب تجنيد لعناصر القاعدة”. ولست هنا بصدد تبرير ممارساتهم، إلا أنني أؤمن أن الأمور لن تستقر وأن واقع الأمة لن يتغير وتتوضح الرؤيا أمام المخدوعين إلا حينما يصير العدل والشفافية واقعا معيشا في أوطاننا، فدولنا مع شديد أسفي، تقنن التسلط وتجيز التغطرس وتعتبر كل من يعارضها إرهابيا، وبالتالي فهي بهذا الشكل الحالي، أكبر عوامل استمرار هذا الكابوس وتجذره في مجتمعاتنا، فضلا على أنه يتعين علينا أيضا الاعتراف بأننا غير أبرياء بشكل كامل بدليل أننا نفرح حينما يُظلم الآخرون، فلا عجب بالتالي أن يصير شبابنا مخيرا بين أن يكون إرهابيا في نظر الحكومات أومرتدا في نظر الإرهابيين!