أثار المدرب الوطني رابح سعدان ضجة كبيرة مؤخرا مما جعل الكل يتساءل هل يمكنه إيصال سفينة ”الخضر” لبر الأمان... وهل هو بحجم طموحات ”الخضر” الحالية...لتجد هذه الاستفهامات وغيرها إجابات متباينة من مختلف الأطراف بين مؤيد ومعارض وما زاد من شراسة التهجم عليه هو قراراته الأخيرة بإبعاد أغلب المحليين كزاوي، رحو، بابوش، أوسرير والمحترفين بزاز المصاب وبوعزة وكل هؤلاء لا يعدّون قطعا فاعلة في المنتخب، مما يعني أن سعدان حاول عبثا تخفيف الضغط المفروض عليه وذر الرماد في أعين الجميع على أمل أن تتحسّن الأمور دون إيجاد حلول حقيقية للمشاكل المطروحة وأكبرها أنه يعتمد على عناصر بعيدة عن المنافسة للعب ضد منتخبات لاعبوها تحوّلوا إلى آلات لا تتوقف عن الدوران، ورغم ذلك فهو يطلب منا أن لا نزعجه ويعد بالتألق في المونديال رغم أن تاريخه يشهد بأنه المدرب الأكثر تحفظا في العالم. وإرتأينا تقديم نبذة عن مسيرته مع ”الخضر” وما فيها من تألقات وكبوات...
كثرة المشاكل دفعته للاستقالة عام 1982 قبل 28 سنة من الآن وبالضبط يوم 24 فيفري 1982 كان المنتخب الجزائري قد خطف كل الأضواء بتخطيه الناجح لتصفيات ”الكان” ثم المونديال بقيادة الثلاثي الروسي روغوف ومعه الجزائريين سعدان ومعوش. لكن الأضواء سرعان ما تحوّلت لضوضاء، خاصة خلال المقابلات التحضيرية للموعد الإفريقي في طرابلس الليبية الذي قبل أسبوعين من خوض أول مواجهة في ”الكان” ضد زامبيا وفي التاريخ المذكور آنفا استقبل ”الخضر” بملعب 5 جويلية نادي كورتراي البلجيكي الذي وضع الملح فوق جراح ثلاثي العارضة الفنية ويرغمهم على الاستقالة ليتركوا المجال لمحي الدين خالف رغم النجاح الكاسح الذي حققوه في التصفيات وحتى في المباريات الودية التي لعبوها وأهمها فوز في تونس وآخر في أوفيديو الإسبانية على المنتخب الجامعي الإسباني. لكن المشاكل التي طفت على السطح بقوة خاصة بعد ملحمة لاغوس عندما فزنا على نيجيريا بهدفي بلومي وجمال زيدان أرغمت الثلاثي روغوف، سعدان ومعوش على رمي المنشفة. عودة بالفوز على تراباتوني من 24 فبراير 1982 وحتى 5 فيفري 1985 ظل سعدان بعيدا عن ”الخضر”، لكنه عاد من أوسع الأبواب وهذه المرة كمدرب رئيسي وبمفرده لإعادة تأهيل الجزائر إلى المونديال. ومثلما غادر المنتخب من 5 جويلية ضد ناد أوروبي (من بلجيكا) عاد لنفس الملعب وبمباراة ودية خاصة جدا ضد أعرق الأندية الإيطالية وأشهرها نادي جوفنتوس تورينو ذات الخامس من فبراير 1985 ويومها لعب ”الخضر” أحسن مباراة ودية لهم في التاريخ وتمكّنوا من ترويض العجوز الإيطالية رغم شراستها وأسلحتها بداية من الحارس طاكوني مرورا بالمبدع البولوني بونياك وانتهاء بالظاهرة الفرنسية ميشال بلاتيني وكل هؤلاء وغيرهم تحت إشراف تراباتوني. لكن سعدان بتشكيلة شابة متكونة من: سرباح، صادمي، منصوري، مغارية، ?ندوز (شعيب)، جفجاف، بويش (حميمي)، ماروك، مناد، بلومي، ياحي (مغيشي) عرف كيف يفوز بتدعيم من 50 ألف متفرج يومها وتحت قيادة الحكم حنصال بفضل دهاء بلومي، فاعلية مناد وحيوية الشبان كمغارية، جفجاف والجوكر مغيشي السعيد مسجل هدف الفوز. أول مدرب أفرو-عربي يؤهل بلاده دون خسارة الفوز على اليوفي جعل معنويات سعدان تناطح السحاب، فمع التعداد المذكور سابقا وببعض المحترفين الذين التحقوا فيما بعد كمجادي، معطر...بغض النظر عن ماجر أصبح المنتخب أكثر قوة وتمكّن من فرض منطقه في التصفيات، فنجح في تصفيات ”الكان” بفوزين عريضين على موريتانيا ثم كينيا. وفي تصفيات المونديال سجل سعدان نتائج غير مسبوقة، حيث تعادل في لواندا أمام أنغولا سلبيا ثم فاز عليها إيابا ثم اكتسح زامبيا وتونس في الغدو والرواح محققا 5 انتصارات متتالية، ليتأهل عن جدارة ويضع الجزائر كأول بلد آفرو عربي يصل لكأس العالم دون خسارة مع سابقة أخرى وهي التأهل لمرتين متتاليتين. التشويش أفقده السيطرة على المنتخب من 5 فيفري إلى 10 أكتوبر لعام 1985 كان مشوار سعدان مع ”الخضر” بنسبة مليون في المئة، لكن بعد الوصول لمونديال ”الأزتيك” بدأ التشويش والكل يحشر نفسه في المنتخب مما أفقد هذا الأخير توازنه وهو ما نلمسه بوضوح في المباريات التحضيرية التي بلغ عددها 8 قبل الموعد الإفريقي. وقد انهزم سعدان في نصفها أمام كل من المكسيك، المجر، كوريا الجنوبية ونادي ليل الفرنسي في ملعب باتنة مقابل فوز وحيد ضد منتخب الموزمبيق لكن دون أدنى إقناع رغم ثقل النتيجة (4 -1). لكن كل الأهداف سجلت في الأربعين دقيقة الأولى مناد (د1)، جمال زيدان (د4)، ماروك (د11 ض.ج) و?ندوز (د40) وبعد ذلك لم يظهر المنتخب أي شيء وهو ما أكده بعد ذلك في ”الكان” حين عجزت الجزائر لأول مرة عن تحقيق ولو فوز واحد في النهائيات الإفريقية بعد اكتفائها بالتعادل أمام المغرب وزامبيا والخسارة من الكاميرون في الإسكندرية المصرية، وقد كان ذلك بمثابة أجراس الخطر التي كانت تقرع بقوة، لكن سعدان وقتها ظل غارقا في التكريمات... كيف حضّر سعدان لمونديال 86؟ طوى سعدان صفحة ”الكان” دون التمعن في الأخطاء المرتكبة لتفاديها، ويبدو أن ازدياد التشويش وتدخّل الطفيليين منعه من ذلك، حيث كانت تربصات ”الخضر” تجرى بحضور الكثير من ”الشحامة”، أما خلال المباريات فحدث ولا حرج. وقد لعب ”الخضر” بعد ”الكان” واستعدادا للمونديال 3 مباريات ودية بملعب 5 جويلية، الأولى بتاريخ 16 أفريل 1986 ضد نادي فليمينانس البرازيلي وانتهت بالتعادل (1 - 1) ثم ضد بورتو البرتغالي يوم 23 أفريل وانتهت كما بدأت أي بالتعادل السلبي. وفي 28 أفريل حقق سعدان آخر فوز له مع ”الخضر” في القرن الماضي ضد نادي بيفيرن البلغاري بهدفين دون رد وقّعهما مناد وماجر. وقبل التنقل إلى المكسيك لعب ”الخضر” في جنيف يوم 6 ماي 1986 وخسر من سويسرا بهدفين دون رد. تجارب سعدان أكبر خطأ وقع فيه سعدان عام 1986 بإجماع النقاد والعارفين هو تفضيله للمحترفين على المحليين، فإذا كان في التصفيات قد شارك بجفجاف، بويش، مغيشي ...وغيرهم فإنه في المكسيك فضّل عليهم حركوك، شبال، بن مبروك وغيرهم رغم أن من كانوا وقتها يعتبرون هواة لديهم مستوى راق لقوة بطولتنا في تلك الفترة. وهنا نكتفي بالذكر أن مغارية كان أحسن بكثير من قريشي فضلا عن أن منتخب 82 كان أغلبه ممن ينشطون في شتى أنديتنا، لكن سعدان أراد التغيير فوقع في بئر...بعد أن اختار لتمثيل الجزائر في مونديال كأس العالم التعداد التالي: دريد، العربي، مغارية، ?ندوز، منصوري ، مجادي، قريشي، بلومي، ماروك، قاسي السعيد، بن مبروك، ماجر، مناد، بن ساولة، حركوك، عصاد، زيدان، صادمي، شعيب، بن خاليدي، شبال وعمارة مع الإشارة إلى أن الخماسي الأخير تنقل للسياحة لكونه لم يحظ بالمشاركة ولو لدقيقة واحدة طيلة المبارايات الثلاث. حيرة البرازيلي تيلي سانتانا حين تقابل ”الخضر” مع سحرة البرازيل ذات 6/6/86 كان صدى قهر ألمانيا يدوي كل العالم الذي انتظر مفاجأة جزائرية ضد البرازيل ولقي تعاطف الجميع وأولهم البلد المنظم للمونديال، حيث كانت كل المكسيك مع الجزائر ضد البرازيل. لكن ”الخضر” انهزموا بهدف دون رد والسبب حسب مدرب السحرة تيلي سانتانا يكمن في أخطاء وقع فيها نظيره رابح سعدان الذي لعب بثلاثة رؤوس حربة دفعة واحدة فمناد يومها كان أساسيا وبعد ذلك أخرج بلومي وعصاد وأدخل زيدان وبن ساولة على التوالي وهو ما احتار له تيلي سانتانا، الذي قال بأن اللعب ب3 رؤوس حربة جعله يطمئن على فوز بلاده لأنهم لن يجدوا من يدعمهم بالكرات خاصة مع خروج بلومي. من أبعد ياحي عام 86 قادر على إبعاد منصوري 2010 قبل مونديال 1986 كان ياحي حسين، نجم شباب بلوزداد، أحد الأوراق الرابحة للخضر نظرا لمهاراته العالية وإتقانه للمراوغة وإجادته في إحراز الأهداف، مما جعله يكون ضمن المنتخب الذهبي لمونديال 82 ولو أنه شارك فقط في المواجهة الثالثة آنذاك ضد الشيلي، لكن سعدان اعتمد عليه في كل المباريات التصفوية (10 مقابلات) 4 منها خاصة بالتأهل للكان و6 للترشح إلى المونديال كما تنقل للنهائيات الإفريقية في الإسكندرية وشارك في مباراتي زامبيا والكاميرون. لكن بعد العودة من مصر كان لسعدان رأي آخر، فقد فضّل عليه المحترفين لأنهم على الأقل في نظره أحسن منه واليوم عليه التحلي بنفس الجرأة مع منصوري يزيد الذي يجمع الكل بأنه لن يفيد. أين هي هتافات ”جيش... شعب معاك يا سعدان”؟ سعدان الذي لعب بثلاثة رؤوس حربة ضد البرازيل ارتكب بعد ربع قرن من الزمن نفس الخطأ بلعبه بثلاثة مسترجعين في مواجهة صربيا وفي كلا الحالتين خسر الرهان. لكن خسارته الأكبر تكمن في تخليه عن دبلوماسيته ولباقته وشنّه لهجمات غير مبررة ضد الصحافة ثم أنصار ”الخضر” مما جعله يصغر في أعين الكثيرين وتزداد الأصوات المعادية له، لأنه إذا لم يتمكّن من فعل أي شيء مع منتخب صربيا الذي عمره 6 سنوات لا أكثر، فكيف سيكون مصيره مع منتخب أم كرة القدم بقيادة داهية مثل كابيللو، خاصة مع تأكد الجميع من أن ترسانة المحترفين التي يضمها ”الخضر” إذا لعبوا وفق مزاجهم الخاص تكون النتائج مرفوقة بالأداء أما إذا تدخّل سعدان فتحدث الكارثة وأخطاؤه في ”الكان” الأخيرة فقط كانت كافية حتى تصله صفارات الاستهجان من إعلانه للقائمة وازدادت مع كارثة مالاوي لتنفجر مع نكسة مصر...فكيف سيكون الحال في المونديال؟ لكن يبقى الشيخ هو القائد الأول للعارضة الفنية ووعد بإيجاد الحلول ومفاجأة الجميع في المونديال.