ولست أقصد هنا تلك السير الذاتية الشفهيّة الحميمة التي يعرضها بن صبان مساء كل جمعة، في برنامجه حول نماذج جزائرية ناجحة، بسيطة على كبرها، عارية من الرياء والتصنّع، وإنما أقصد تلك التلفيقات الأدبية والتاريخية التي باتت تزيّن رفوف مكتباتنا، لشخصيات أنهت مهمتها الدنيوية على ظهر البسيطة، لتبدأ مهمّة أخرى تدوينيّة على ظهر الورقة.. الفرق بين السير الذاتية الشفهيّة لضيوف برنامج “أنتم أيضا” وبين السير الذاتية المكتوبة لشخصيات أدبية وسياسية وتاريخية معروفة، هو أن الصنف الأول لن يجرؤ على الكذب في بداية علاقته مع الضوء، أما الصنف الثاني فلن يجرؤ أبدا على الصدق في أواخر علاقته مع الضوء.. الضوء إذن؛ هو حبر المذكرات أو السير الذاتية.. هناك من يكتب على الضوء فيزيده عتمة، وهناك من يكتب بالضوء ليزيح العتمة.. هناك من يسلّط الضوء على “أمامه” لكي يرى طريقه في العتمة، وهناك من يسلّط الضوء على “ورائه” لكي يدخل العتمة.. لذلك؛ لم أصدّق يوما تلك المذكرات، أعتبر من يكتبها؛ صبيّا يحاول تبرير أخطائه من دون أن يسأله أحد عنها.. أعتبر من يكتبها؛ مُهرّجا غير موهوب يضرب رأسه من أجل أن يُضحك الآخرين.. أعتبر من يكتبها كاذبا - وإن صدق - لأن “الغرقة“ الشموليّة التي نحن فيها اليوم، علمتنا أن نصدقّ الصغير الذي يحدّثنا عن مستقبله.. وأن لا نصدّق أبدا الكبير الذي يحدّثنا عن ماضيه..