دأب المنطق الرسمي على بناء الأفعال على المجهول وحينما يفشل في إقناع الفاعلين والمفعول بهم ينحو باتجاه تبرير السلوكات المشروعة غير الشرعية في نظره. ما ذهب إليه السيد وزير الصحة سعيد بركات من تبرير إضراب الأطباء وموظفي قطاع الصحة بتمديدهم عمر الاحتجاج ل”حاجة في نفس...يعقوب أو الأطباء”، تجدد التأكيد على المنطق الأعوج الذي تسيّر به مختلف القطاعات في الجزائر. معاليه قال بصراحة إن أصحاب المآزر البيضاء أصابوا عن قصد قطاع الصحة بالشلل لإجبار المرضى ”الزوالية” على التوجه نحو العيادات الخاصة التابعة للأطباء المضربين، وإن كان الوزير صادق بعض الشيء فيما توصل إليه، إلا أن دراسة للبنك الدولي صدرت العام الماضي تدحض تلك الادعاءات، إذ كشفت أن أكثر من 94 في المئة من الجزائريين يعتمدون على جيبهم الخاص، مقابل تلقي مختلف الخدمات الطبية من تحمل تكاليف الطبيب المادية إلى الدواء وغيرها، أي هذه النتائج المتوصل إليها جاءت قبل إضراب ممارسي الصحة بنحو عام من الآن. أما البقية التي تمثل 6 في المئة من الذين يعتمدون على المستشفيات الحكومية لتلقي العلاج يفترض أن يكونوا ”زوالية” حقيقيين أو أصحاب ”المعارف” والمقربون أولى بمعروف المستشفى. وغير بعيد عن قطاع بركات يعيش قرينه بن بوزيد وضعا هو الآخر لا يحسد عليه في ظل استمرار تعنت الأساتذة المضربين في العودة إلى مزاولة الدروس المتوقفة ليصعدوا من لهجتهم الاحتجاجية بمقاطعة اختبارات الفصل الثاني ويكون لسان حال وزير التربية يقول الآن إن الإضراب مقصود من طرف الأساتذة، خاصة الثانويين لإنعاش بورصة الدروس الخصوصية قبل أقل من ثلاثة أشهر تفصل تلاميذ البكالوريا عن امتحان مصيري، أصبح لعبة في أيدي العابثين بمصير الأجيال السابقة واللاحقة وكون معالي الوزير يؤكد أن المدرسة الجزائرية بمنظومتها التربوية الحديثة وكتب مليئة بالأخطاء (7000 خطأ تاريخي لغوي ديني أحصيت العام الماضي بكتب التعليم الجديدة) لم تقصّر البتة في تقريب فهم الدروس لعقل الطالب لتحجب عنه الرؤية في التسجيل عند المدرسين الخصوصيين. إذن المسألة تعدت نطاق تسويق مبررات للفلتان الاجتماعي في الغالب تكون سببا (المبررات) في تصعيد اهتياج الفئات المضربة لتصل إلى حد تفسيرها بالتآمر على ”بقايا” مستشفيات عمومية وحضانات للكبار في هيئة مدارس وجامعات، ويكون الأطباء والمدرسون يعملون وفقا لهذا التفكير البائد خارج القانون ويمارسون نشاطا تجاريا موازيا أو ”ترابنديست” خاصة الأساتذة الذين يلجأون إلى كراء مستودعات خاصة لتدريس التلاميذ بمقابل مادي. أما الأطباء يزاحمون أنفسهم أو زملاءهم بالمستشفيات في مهنة شبيهة بما تقوم به سيارات ”الكلوندستان”. وإذا ما صنّفنا ”الذين كادوا أن يكونوا رسلا” ومعيدو ”تاج الصحة” فوق رؤوس المرضى في خانة المزاولين نشاط تجاري خارج أعين الرقابة شأنهم كشأن بائع الخضار والفواكه بالقرب من المساجد والساحات العمومية، يكون الوزير بركات وبن بوزيد قد انضما إلى الوزير جعبوب في مطاردة فلول التجار الفوضويين الذين يستنزفون الملايير من خزينة الحكومة دون أن يقدموا قرشا واحدا لمصلحة الضرائب. وبعدما كان يوضع الكتاب في كفة الميزان وصفائح الذهب في كفة أخرى في أوج ازدهار الحضارة الإسلامية، وصل الحال بأمة الجزائر التي تخرّج آلاف الأطباء جزء كبير منهم تحتضنهم دول أجنبية ومعلمين وأساتذة، صار يوضع الطرفان في كفة والعصا في كفة الميزان الأخرى ليدفع ثمن التمرد بالضرب على القفا ”حتى ينضعر” ويذعر من الهلع من تسول لهم أنفسهم الإضراب مجددا مثلما حدث للأساتذة الذين ”زبرت” مرتباتهم. وعندما تنقلب عصا الأستاذ ضده ويصوب مشرط العمليات الجراحية بقلب الطبيب دون تخدير فانتظر تلميذا ”شاطر” ومتعلم يخدم وطنه ولا يفكر في الهجرة في الشالوتييه وكذلك قل للذين يتجرأون دخول المستشفيات العمومية الرحمة عليكم لأن ولاة القطاع تخوفوا من تجار ”الطباشير والمآزر البيضاء” الجدد ولم يولوا أدنى اهتمام لمستقبل التلميذ وصحة المريض وصحة ”الصحيح”. أمين لونيسي