لم يصفق الحاضرون في مؤتمر فلسطين الثاني للاستثمار، أمس في بيت لحم، عندما شكر محمود عباس مصر على قرارها فتح معبر رفح، لكنهم وقفوا كلهم وصفقوا طويلا عندما توجه رئيس السلطة الفلسطينية إلى تركيا شاكرا إياها على موقفها من القضية الفلسطينية التي كسرت سفنها الحصار المفروض على غزة والتي فقدت مواطنين لها في الاعتداء الإسرائيلي على قافلة الحرية. والرسالة طبعا كانت واضحة، فتركيا سحبت البساط من تحت أقدام الأنظمة العربية ومن تحت أقدام الدولة التي نصّبت نفسها متحدثا باسم العرب. وهل كانت مصر ستفتح معبر رفح الذي أغلقته باتفاق مع إسرائيل بعد العدوان على غزة، لولا أن تركيا دخلت على الخط، ليس بإرسال باخرة ضمن قافلة الحرية فقط، أو لأنها دفعت شهداء من أبنائها في الاعتداء الإسرائيلي الجبان، وإنما أيضا بالموقف الصارم الذي اتخذته دوليا إثر الاعتداء حيث هددت بوقف علاقاتها مع إسرائيل، مثلما فرضت على مجلس الأمن الاجتماع واتخاذ موقف من العدوان، حتى قبل أن تتحرك جامعة مصر ”العربية”. فشهداء تركيا هم من فكوا الحصار عن غزة، وإسرائيل ليست مستعدة لخسارة علاقتها بتركيا، فمصالحها هناك كبيرة، وخسارتها لتركيا يعني أنها تخسر حليفا عسكريا عضوا في حلف الأطلسي، ومجالا جويا تستغله إسرائيل في تدريب طيرانها العسكري، مثلما تخسر حليفا اقتصاديا لا تتبادل فقط معه السلع والخدمات، بل هو مصدرها للطاقة والمياه. ولهذا تزن تركيا ثقيلا في العلاقة مع إسرائيل أكثر من وزن مصر والعرب كلهم. وفك الحصار عن غزة أوضح أن قضية الحصار نضجت ولم تعد بالنفع على إسرائيل أمام المجتمع الدولي الذي بقي طوال أشهر يتفرج على معاناة أطفال القطاع ووضعهم اللاإنساني، وهي أخطاء ارتكبتها إسرائيل، إلى جانب أكبر خطأ بعد العدوان على غزة السنة الماضية، الاعتداء على قافلة إنسانية في المياه الدولية، وينتبه معها المجتمع الدولي إلى حجم الكذبة التي سقطت فيها إسرائيل عندما ادعت أن جنودها واجهوا اعتداءات ومقاومة من قبل المتضامنين، وهو ما فنده كل من شاركوا في القافلة، حتى أن كل الصحافة الإسرائيلية انتقدت الموقف الإسرائيلي واعتبرته فشلا وخطأ جسيما. نعم هو خطأ جسيم عرّى الوجه الإسرائيلي القبيح أمام العالم. لهذه الأسباب ”فك” الحصار عن غزة، لكن نتائجه لن تخدم القضية الفلسطينية ما لم تتحد الفصائل، وما لم تتنازل حماس عن تعنتها والسلطة عن فسادها. لن تستفيد القضية الفلسطينية من هذه الضجة الإعلامية والسياسية التي أحدثتها قافلة الحرية، ما لم يتوحد الفلسطينيون ضد عدو واحد، اسمه الاحتلال، اسمه إسرائيل. ما حدث بين تركيا وإسرائيل بسبب القافلة، يقضي حتما على حلم إسرائيل في ضرب إيران، على الأقل في المنظور القريب، وهذه أهم ضربة وجهت لإسرائيل، لكنها للأسف ليست ضربة عربية.