فتحت محكمة الجنايات بمجلس قضاء البليدة ملف واحدة من أبشع قضايا التعذيب، التي يمكن أن يتعرض لها شخص ما، أما أن يكون هذا الشخص مجرد طفلة في الثامنة من العمر، والفاعل والدتها، فإن حضور مثل هذه المحاكمة يتطلّب الكثير من الصبر لتحمّل سماع تلك التفاصيل المؤلمة، وقاموسا كاملا لإيجاد الكلمات المناسبة لوصف ما تعرّضت له الصغيرة حورية الكشف عن هذه الجريمة البشعة يعود إلى تاريخ 17 جويلية من السنة المنقضية وجاء على يد عامل قصد بيت المتهمة (أ.خليدة)، 32 سنة، الكائن بمدينة القليعة قصد تركيب مكيف هوائي بناء على طلبها، لتتركه المدعوة خليدة، بعد حين، وتخرج لاقتناء بعض المشتريات، بعد أن قالت له إنه يوجد بالبيت فتاة نائمة، وهي مريضة. وبعد خروجها بفترة، أطلّت على الزائر فتاة في الثامنة من العمر، وهي عارية، إلا من ملابسها الداخلية وعليها آثار ضرب وتعذيب وحشي، كما أنها كانت مقيّدة. الشاهد قال إنه صدم لذلك المنظر، خاصة لما توسّلته الفتاة الصغيرة أن يعطيها طعاما لتأكل، وأن يفك قيدها للتوجه إلى بيت الخلاء، كما أن شكوكه زادت لما طلبت منه بعدها أن يعيد ربطها، لأن السيدة ستغضب منها إذا رأت قيدها مفكوكا. فطنة العامل جعلته يسرع لالتقاط صور للفتاة بواسطة هاتفه النقال ويتوجه مباشرة إلى مصالح الأمن للتبليغ عن الواقعة، التي كشفت في وقت لاحق أن الفتاة تعرضت لإساءة جسدية ونفسية كبيرة، وهو ما جاء به تقرير الطبيبة الشرعية من مستشفى، فرانس فانون، والذي أشارت فيه إلى أن الجروح التي كانت برأس الصغيرة تمتد على 10 سم بعضها ملتئم، وبعضها متعفن، وبها حروق من الدرجة الثانية، وقد تم التدخل الجراحي لأخذ جلدة من الفخذ لزرعها بالرأس، إضافة إلى كدمات في كامل جسدها تشير إلى محاولة الخنق وآثار للعض وندبات وخدوش لا تحصى، بعضها حديث والبعض يعود إلى فترة سابقة. المتهمة، التي حملت لقب أم، ادعت أنها كانت تضرب ابنتها بغرض تأديبها فقط وليس لتعذيبها، أما سبب الجرح المتعفن في رأسها فناجم عن سقوطها من درج العمارة، وهو ما نفته البنت المسكينة، التي قالت إن هذه الأخيرة كانت تضربها بشدة وتمسك برأسها لتدفعه إلى الحائط. الصغيرة حورية، ولفرط تأثرها بالجرم الذي راحت ضحيته، قالت إن المسماة ليست والدتها، ووالدتها الحقيقية توجد بسعيدة، وكانت تقصد بذلك مربيتها، التي كانت الأم قد تركتها عندها لسنوات بعد طلاقها من زوجها الذي لم يكن بينها وبينه أي عقد رسمي، بل كان بينهما زواج عرفي، أي بالفاتحة، علما أن علاقتها بأهلها ليست على ما يرام، خاصة وأنها تركت البيت العائلي في سن ال 19. الوالد نفى من جهته علمه بما كانت تتعرض له ابنته من إساءة، قائلا إن الطفلة كانت معه لفترة قبل أن تقرر والدتها استرجاعها، ليس لتربيتها بل لتتركها بين أيدي المربيات لأكثر من 6 سنوات، ولما استرجعتها لاقت المصير الذي جعلها ضحية لدرجة أن تم إيداعها في قرية الطفولة المسعفة بالدرارية. تقرير الخبير الطبي، الذي تم على المتهمة أثبت أنها لم تكن مجنونة وقت ارتكاب الأفعال التي قادتها أمام محكمة الجنايات، حتى وإن كانت تعاني من اضطرابات نفسية ومزاجها متقلب. النائب العام، وفي التماساته، طالب بعقوبة 10 سنوات ضد المسماة خليدة، فيما عادت المحكمة لإدانتها بثلاث سنوات سجنا نافذا، حتى وإن لن تكون هذه العقوبة كافية لأن تمحي من ذاكرة الابنة ما فعلته بها أقرب إليها ومن كان من المفروض أن تكون الجنة تحت أقدامها.