هي المرّة العاشرة تقريبا، التي أعيد فيها مشاهدة هذه التحفة السينمائية غير الأمريكية، والتي جاءت في شكل سيرة ذاتية من أنجح السير الذاتية السينمائية التي أنتجت في السنوات الأخيرة.. فيلم La Môme أو ”الصبيّة”.. فيلم من أهم الأفلام التي أنتجت في السينما الفرنسية خلال العقد الأخير.. عُرض لأول مرة في عام 2007 في برلين، ثم في هولندا، ليُعرض بعدها في باقي أرجاء العالم، ونال بالإضافة إلى جائزة الدبّ الذهبي في برلين، جائزة الفيلم الأوروبي عن أفضل فيلم وجائزة ستيلايت، لأفضل مخرج. La Môme هو الفيلم الثاني في تاريخ السينما الفرنسية، الذي يتناول حياة المغنية الفرنسية الأسطورة إيديث بياف، فبعد أكثر من عقدين على إنتاج الفيلم الأول، وبنظرة غير تأريخية، يغامر المخرج الفرنسي الشاب أوليفر داهان بفيلمه ”الصبية”، الذي ركّز فيه على مسيرة حياة بياف، المليئة بالمفارقات التي تقترب من حدود الملحمة، أكثر من كونها قصة حياة شخصية لمغنية شهيرة.. ساعتان وعشرون دقيقة من السينما الحقيقية، الحيّة، سينما ترحل بك إلى أزقة باريس وشوارعها القديمة، وتأخذك من عشرينيات القرن الفائت إلى ستينياته، هذه القطعة الزمنيّة التي جسّد فيها داهان، المسار الاستثنائي لإيديث بياف، من الطفولة إلى المجد، ومن اللقمة إلى القمّة.. حكاية ”الدوري الصغير” - كما يعنيه اسم بياف بالفرنسية الدارجة – الذي يغني في شوارع باريس، من أجل بعض النقود التي يحملها إلى الوالد، لاعب السيرك الذي أخذ ابنته بالقوة من أمها في مشهد درامي شديد الإيحاء والتأثير.. شخصية بياف المضطربة، وعصبيتها ومزاجيتها، نجاحاتها الفنية، علاقتها بالملاكم الفرنسي العالمي مارسيل سيردان (يجسّد دوره جين بيري مارتن)، تعرّضها لحادث سير جعل منها مدمنة على المورفين، وأخيراً شللها الجسدي والنفسي والعقلي؛ ثم وفاتها.. كل هذه الأحداث وغيرها يسردها داهان بأسلوب سينمائي عالي الحرفية، يقترح من خلاله مسيرة غير خطية للفيلم، تشكل فيها الذكريات والتداعيات الركنين الأهم في العملية السردية. إن إنجاز فيلم سينمائي روائي طويل يتناول شخصية شهيرة لفنان أو سياسي يتطلّب من فريق العمل جهداً كبيراً، سواء من حيث توخّي الدّقة في التفاصيل، أو من حيث حسن اختيار الممثل القادر على تقمّص الشخصية المراد تصويرها على الشاشة، بالإضافة إلى توفر الوقت في قراءة ما كتب عن الشخصية من كتب ومقالات أو الالتقاء بمن تعايش معها. والأكيد أن صنّاع رائعة La Môme استطاعوا التوفيق بين كل تلك المعطيات التي منحت السينما الفرنسية والعالمية فيلما يستحق المشاهدة.. أنصحكم بمشاهدته. نشر بتاريخ 0102/70/62