شهر رمضان هو شهر لمّ شمل العائلات الجزائرية بكل جدارة، حتى وإن حَسب له أرباب هذه العائلات ألف حساب، وهم تائهون بين مد وجزر الأسعار التي لا تعرف هوادة ...ولكنه رمضان.. ولا يمكن أن تمر أيامه دون أن تدعو العائلات بعضها لموائد الإفطار لتبدأ حملة “العرضات” أو الدعوات مع نهاية الأسبوع الأول منه، وللعرضات في البليدة تقاليد الفتاة التي تزوجت حديثا تنتظر من والديها ومن الأقربين، كالعم والخال أو العمة والخالة، دعوة للإفطار رفقة زوجها بالتأكيد وأفراد عائلته على الأقل لوالديه، وهي عرضة تتطلب الكثير من التحضير من أجل خاطر الفتاة حتى تزيد قيمتها أمام “ناس البيت” على حد تعبير البليديين، فلا يهم كم ستكلف هاته العرضة بقدر ما تهم “تحميرة الوجه”، كما قالت لنا خالتي يامنة وهي أم وجدة مرت عليها مثل هذه الأشياء، تروي لنا فتقول إن البعض يضطر إلى تخصيص ميزانية كاملة لهذه المناسبات ولو على حساب بقية أيام الشهر، فدعوة الابنة المتزوجة حديثا للإفطار أمر لا بد ولا مفر منه، وهي عادة قديمة ما زالت متجذّرة لدى العائلات البليدية ولا يمكن غض الطرف عنها إلا في حال كانت البنت تقيم بعيدا عن أسرتها. وغالبا ما تتم الدعوة في مدينة الورود ليلة منتصف الشهر الكريم، على أن تكون نهاية الأسبوع الأول بداية لحملة العرضات لباقي أفراد العائلة، لأن كل واحد منا يفضل قضاء بعض الوقت الحميمي مع أفراد أسرته الصغيرة بداية الشهر - أضافت خالتي يامنة - والدعوة للإفطار في الأسبوع الأول أمر غير مستحب وثقيل نوعا ما، أما ما عدا ذلك فهو للمجاملة وزيادة المحبة. وإن كانت الفتاة البليدية تنتظر أهلها ودعوتهم على أحر من نار، حتى وإن لم تكن متزوجة حديثا، فدعوتها أمر واجب وعلى الزوج رد الدعوة لأهلها في وقت لاحق، فالشاب البليدي بدوره يلقى سيلا من الدعوات من قبل أهله خاصة إن كان حديث العهد بالقفص الذهبي. وهكذا تمر أيام رمضان عليهما دون أن يتأكد الزوج من مهارات زوجته في المطبخ، لا سيما إن كان زفافه من أعراس شعبان، فلا وقت للطهو بل الوقت كله لتلبية دعوات أفراد الأسرة التي لا يمكن الدخول عليها دون قلب اللوز، الشربات أو القطايف بالمقدار الذي تيسر. وعن المائدة التي تنتظر المدعوين فهي مزيج من الأطباق التقليدية المتنوعة التي تُستهل بشربة مقطفة وطبقين مختلفين على الأقل واللحم الحٌلو وما تنوع من السلطات دون الحديث عن صينية القهوة التي ترافقها كل أشكال الحلويات التقليدية البليدية. وبهذا تكون مائدة الإفطار شكلا من أشكال البذخ الذي يستحقه المدعو والذي يبقى عليه رد العرضة إن كان فردا من أفراد العائلة وهو ما يوقع الكثيرين في مواقف حرجة لأنهم غير قادرين على رد عرضة مماثلة بسبب أوضاعهم المادية، ما يجعل البعض يتجنب تلبية الدعوة بأي حجة فيما لا يدعو البعض الآخر أيا من أفراد العائلة، وهو ما ذهب إليه رضوان رب عائلة من مدينة أولاد يعيش والذي أكد لنا أنه لا يدعو أحدا في رمضان وأنه يفضل أن يوفر تلك المصاريف لأبنائه الذين ينتظرون كسوة العيد بشغف، إضافة إلى مستلزمات الدخول المدرسي قائلا “أطفالي أولى بالمعروف من تلك الشكليات التي أصبحت نوعا من التفاخر وليس بنية كسب حسنة إفطار صائم كما أوصى بذلك نبينا محمد عليه الصلاة والسلام”. وبين الواجب الحتمي والحشمة على حد تعبير البعض، يبقى للزوجات نصيب من متاعب تلك العرضات التي لا تنتهي، فبدل التوجه نحو قراءة القرآن والصلاة تجد المرأة نفسها مجبرة على إيفاء الضيوف حقهم بإعداد كل ما يلزم لذلك، ليتحول المطبخ إلى ساحة معركة من الأواني التي يجب غسلها بعد انصراف الجميع في وقت متأخر من الليل وتكون المسكينة قد أرهقت فلا صلاة ولا قرآن بعدها وإنما نوم عميق تذهب معه ليلة مباركة أخرى من رمضان دون أن تعود. وبين الواجب الحتمي والعبء الإضافي تبقى لتلك العرضات نكهة خاصة تزيد من حلاوة سهرات رمضان في مدينة الورود التي تزدان بالبوقالات والشاي بالنعناع وسمر وسهر لا يمكن تحصيله في باقي أيام السنة.