من المعروف أن روسيا هي ثاني أكبر منتج ومصدر للنفط بعد المملكة العربية السعودية، ونظرا لأن روسيا ليست عضوا في منظمة الدول المصدرة للنفط ”أوبك”، فإنه لا بد من التنسيق بين الجهتين حتى يمكن توجيه أسواق النفط العالمية. ولم يكن لهذا التنسيق وجود في فترة التسعينات من القرن الماضي، نظرا للظروف التي كانت تمر بها روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ولكن مع الألفية الجديدة، ومع استرداد روسيا لمكانتها. ومع استعادة الدولة سيطرتها على معظم إنتاج النفط في روسيا، ومع تحسين ظروف الإنتاج في روسيا واستخدام تقنيات التنقيب والاستخراج والنقل الحديثة، ظهرت روسيا كبائع أول للنفط في العالم ينافس السعودية، وأحيانا يتفوق عليها في التصدير كما حدث في مطلع العام الجاري، الأمر الذي بات يشكل مشكلة واقعية لمنظمة أوبك، رغم أن الطرفين لا يصرحان بوجود أي مشاكل بينهما، وعادة ما يكون لدى أوبك أمل في أن تستجيب روسيا لطلباتها، ولكن الأمور على ما يبدو ليست بهذه السهولة. وقد أعلن الأمين العام لمنظمة أوبك عبدالله سالم البدري، في منتصف سبتمبر أثناء فعالية جسر تلفزيوني بين موسكو وفيينا، أن روسيا قد تضطر مستقبلا إلى تخفيض معدلات زيادة حجم استخراج النفط. ولدى إجابته عن أسئلة الصحافيين، أشار البدري إلى أن معدل إنتاج النفط الحالي في روسيا، لا يؤثر على عمل الأوبك وخطط تحديد الحصص. وأضاف: ”ولكن في حالة استمرار زيادة حجم استخراج النفط بهذه السرعة، فربما ستضطر روسيا لتخفيضها بعض الشيء”. ومع ذلك لم يشأ البدري أن يكشف عن أي خلافات في الرأي بين المنظمة وموسكو، حيث صرح بأن المنظمة لا ترى مشكلة قادمة من روسيا حتى الآن. هذا التفاؤل من قبل أمين عام منظمة أوبك، لا مبرر له، حيث سبق لوزير الطاقة الروسي سيرغي شماتكو أن تنبأ بأن يتجاوز حجم استخراج النفط في روسيا في العام الحالي 500 مليون طن، وقد تم استخراج 494 مليون طن من النفط في روسيا عام 2009، بزيادة نسبتها 2,1٪ مقارنة بعام 2008. وقد يندهش البعض بسبب عدم التزام روسيا بما تقرره أوبك، ولكن تجارب الماضي القريب هي التي دفعت لهذا، ففي الوقت الذي كانت أسعار النفط فيه تنهار بشدة، كان بعض دول ”أوبك” يتعمد زيادة إنتاجه من النفط، دون أي مبرر، وكانت روسيا ترجو منهم أن يتوقفوا عن زيادة الإنتاج حتى لا تنهار الأسعار أكثر، ولكن لم يكن أحد يستمع إليها. ولم تكن الضغوط الغربية وحدها هي التي تدفع هذه الدول إلى زيادة إنتاجها، بل كان بعض هذه الدول يتعمد من تلقاء نفسه زيادة الإنتاج، بهدف تعويض الخسائر الناتجة عن انخفاض الأسعار، دون مراعاة لباقي المنتجين. وقد حاولت روسيا أن تقدم مشروعات للتنسيق مع أوبك، بهدف استثمار نفوذها مع نفوذ ”أوبك” للتحكم في أسعار النفط والصادرات النفطية، فقد سبق أن تقدمت بمشروع تعاون مع الأوبك متعدد الجوانب، يمكن أن يحقق مصالح للجانبين في ما يخص ملفات أمن الطاقة العالمي، والتشاور حول أسعار النفط، وهي ملفات تضمن استقرار أسواق الطاقة من التقلبات والهزات الحادة، ولكن على ما يبدو فإنه كان هناك في الغرب من يضغط دائما للحيلولة دون التقارب بين روسيا وأوبك، وأيضا داخل أوبك نفسها هناك من لا يرغب في التعاون مع روسيا. والمشكلة أن الدول أعضاء أوبك لا تفكر في التنسيق والتفاهم مع روسيا في مسائل الإنتاج والتسويق، إلا عندما تحتاج هي إلى ذلك، دون مراعاة لمصالح روسيا، وقد يكون نفس العيب موجودا لدى روسيا أيضا، حيث إن موسكو لا تتحمس كثيرا للتنسيق مع أوبك، إلا في حالة وجود مشاكل أو تهديدات تضر بمصالحها في أسواق النفط. وهذه المسألة تشكل حلقة مفرغة بين الطرفين يصعب ملؤها، وإذا لم يصل الطرفان إلى تفاهم وتنسيق بينهما في ظروف ملائمة لكليهما معا، فإنه من الصعب عمليا الحديث عن تحكمهما معا في توجيه أسواق النفط العالمية، التي ما زال كبار المستهلكين فيها هم الذين يملكون القرار ويفرضونه على كبار المنتجين. بقلم: جانا بوريسوفنا