تعرف عمليات التهريب على مستوى الشريط الحدودي لولايات الجنوب الشرقي، بدءا من ولاية الوادي، وصولا إلى ولاية إليزي ومرورا بولاية ورڤلة، نشاطا واسعا وباتت مراكز عبور للعديد من السلع والمواد الغذائية نحو تونس وليبيا. ومن أكبر المواد المهربة، المازوت الذي يباع اللتر الواحد منه ب 50 دينارا جزائريا على الحدود التونسية التي يكثر الطلب عليه بسبب حركة السياحة النشطة بتونس الحمير وسيلة النقل المفضلة للمهربين والمازوت يقايض بالدلاع التونسي نتيجة الأموال الضخمة التي باتت تدرها هذه النشاطات، تم تجنيد عدد من شبكات التهريب منهم الجامعيين والرعاة لدعم شبكات تهريبها على مستوى الشريط الحدودي، خصوصا البطالين والمعوزين، لاسيما وأن سكان هذا الشريط يعيشون حالة فقر مدقع استغلته عصابات التهريب لصالحها، مستغلين المسالك الوعرة، وتنسق هذه الشبكات بشكل عادي مع شبكات أخرى تنشط في نفس المجال على مستوى الشريط الحدودي التونسي. وقصد معاينة الوضع ميدانيا، تنقلت “الفجر” إلى الشريط الحدودي لبلديات الوادي المتاخم لتونس واقتحمنا أسوار حدود الجارة الشرقية، من خلال تقفي آثار معابر شبكات التهريب، اتضح لنا جليا مدى الخسائر التي تسببها هذه الشبكات للاقتصاد الوطني، من خلال تهريب المازوت والسيارات وقطع الغيار وبعض المواد الغذائية. وجهتنا الأولى في رحلتنا الشاقة كانت منطقة طالب العربي، التي تعد مركز عبور بالنسبة للمهربين، خاصة الشباب منهم، لامتلاكها عدة مزايا أهمها قربها من الشريط الحدودي مع تونس، كما أنها تبعد ب 80 كلم شرقا عن مقر الوادي و3 كلم فقط عن حدود تونس، وبعد قطعنا لمسافة 80 كلم ناحية الحدود التونسية وصلنا إلى بلدية طالب العربي فوجدنا عددا من الشباب، حاولنا الاقتراب منهم والتحدث معهم إلا أنهم أبدوا الكثير من التخوف والحذر في بداية الأمر، وبعد دردشة خفيفة معهم اكتشفنا أن عددا منهم من خريجي الجامعة، فتحوا لنا قلوبهم بعدما وعدناهم برفع انشغالاتهم إلى السلطات المعنية. حاولنا بعدها فتح مجال الكلام عن حركات التهريب باعتبار منطقتهم حدودية، خاصة المازوت الذي عرف حركة غير عادية، فلم يخف هؤلاء بأن منطقتهم تعتبر نقطة عبور بالنسبة لمهربي المازوت الذي تعرف أسعاره ارتفاعا كبيرا في التراب التونسي، إذ أن سعر اللتر الواحد يصل إلى أكثر من 50 دينارا جزائريا بينما يشترى من التراب الوطني ب13 دينارا للتر، وهذا ما جعل تهريبه يكثر في الفترة الأخيرة. الحمير لنقل المازوت و”تونيزيانا” للاتصالات الهاتفية هذا الوضع دفع شبابا في مقتبل العمر إلى امتهان التهريب والتعاون مع شبكاته، حيث يقومون بنقل المازوت إلى الحدود التونسية عن طريق الحمير والدواب الأخرى، وتنقل مادة المازوت في خزانات، سعة الواحدة منها 200 لتر، والحمار الواحد يستطيع حمل خزانين أي 400 لتر، كما يتم تهريب هذه المادة أيضا عن طريق سيارات الدفع الرباعي من نوع “ستايشن” القادرة على حمل قرابة خمسة خزانات بما أن المسالك التي يفضلها هؤلاء الأفراد تجدها بعيدة نوعا ما عن أنظار رجال الأمن، وتكون وعرة ولا تصلح إلا لهاتين الوسيلتين للنقل فقط، بينما يتم التنسيق بينهم وبين من يستقبل مادة المازوت المهربة إلى تونس عن طريق الهاتف النقال باستعمال شبكة الهاتف النقال “تينيزيانا”، وأضافوا أيضا بأن التونسيين كثيرو التردد على منطقتهم وأصبحوا معروفين لدى عدد كبير من الأفراد هناك، أما عملية النقل فتكون بإرسال فرد أو اثنين لتقصي وتأمين الطريق، ويمثلون وسيطا إلى أن تتم العملية بينهم وبين التونسيين، وفي الأخير يتفقون على مكان محدد ويتم ردم المادة في الرمل بأن توضع علامة تحدد المكان المتفق عليه، وهكذا يتم تهريب المازوت وأحيانا البنزين إلى الحدود التونسية. أما مهربو قطع غيار السيارات فهم قلة وينشطون في هذا المجال من مختلف مناطق الولاية، منها المقرن وحاسي خليفة والوادي وغيرها. وذكر الشباب أن قوات حرس الحدود أفشلت في الكثير من الأحيان عمليات التهريب إذ تقف أمامهم سدا منيعا، وفي عدة مرات نسمع صوت سيارات الأمن وهي تطارد المهربين باستعمال الرصاص الحي أحيانا، لكن هذا لم يقلل من عزم المهربين من مختلف الأعمار لأن هذا النشاط يعتبر مصدر رزقهم الوحيد كما قالوا. تقلص تهريب السيارات مقابل انتشار البطالة والآفات الاجتماعية أما النشاط الثاني الذي انتشر كثيرا في وقت سابق بصفة كبيرة، وهو تهريب أو تمرير السيارات ذات الترقيم الأجنبي، خاصة الفرنسي، من التراب التونسي إلى الجزائري عبر منطقة الطالب العربي، وتجد هذه الحركة تكثر خاصة نهاية فصل الصيف وبداية فصل الخريف، عندما يرجع التونسيون المقيمون خارج وطنهم، على غرار فرنسا، بعد قضاء فصل الصيف في تونس، حيث يعمدون إلى بيع سياراتهم ذات الماركات المعروفة، ليتجنبوا إجراءات الخروج وما تكلفهم من أموال، وعندها يستغل الجزائريون هذه الفرصة لشراء هذه السيارات، أين تتم عملية المرور عبر الجمارك التونسية بطريقة شرعية عادية وتؤشر من طرفهم، بعدها تمرر عبر التراب الوطني بعيدا عن أنظار الجمارك، حتى لا تتعطل في الإجراءات الجمركية، لتباع بعدها بأسعار مرتفعة وبدون وثائق قانونية، وقد تشترى من تونس مثلا ب100 ألف دينار وتباع ب40 أو 60 مليون سنتيم كحد أقصى، لذا عرف هذا النشاط حركة رهيبة في أوساط شباب طالب العربي بمختلف الأعمار، وحتى المناطق الأخرى من الولاية، حيث شهدت مطاردات هذه الفئة تسجيل عدة حوادث نظرا للسرعة الفائقة التي يقود بها المهربون، أما الحادثة الكبيرة التي سجلت، وهي إصابة أحد الشباب بطلقة رصاص من سلاح حرس الحدود، هذه الحادثة، كما قال الشباب، ناتجة عن مطاردة أحد الشبان الذي كان يقود سيارة مهربة رفقة زميله من تونس بسرعة فائقة “فتمكنا من الدخول إلى القرية لكن قوات حرس الحدود أطلقت وابلا من الرصاص في المنطقة العمرانية، ما أدى إلى فزع السكان الذين كانوا على جنبات الطريق، ولما تمكن الشابان من الفرار وترك السيارة تمت إحاطتها من طرف عناصر حرس الحدود إلا أن فضول المواطنين أدى بهم إلى التجمع أمام السيارة ولم تجد نداءات رجال الأمن صدى لدى المواطنين ما أدى بهم إلى إطلاق رصاصة أصابت أحد الشباب على مستوى الصدر، كادت أن تودي بحياته لولا تدخل السكان ونقله إلى المستشفى مكث فيه أكثر من أسبوعين”. وقد عرف، مؤخرا، هذا النشاط تقلصا ملحوظا نظرا لتضييق الخناق من طرف قوات الأمن على المهربين، منذ بداية العام، بسبب الإجراءات المتخذة بين الحكومة الجزائرية والتونسية في تركيز مرور السيارات الأجنبية عبر نقطة وحيدة من الوطن، وهي المركز الحدودي “بوشبكة” التابع لولاية تبسة، هذا الإجراء جعل من هذا النشاط يتجمد بمنطقة الطالب العربي، ما أدى إلى انعدام فرص العمل لدى مختلف الفئات، وقد ساهم هذا الأمر بدوره في انتشار الآفات الاجتماعية بمختلف أنواعها، خاصة المخدرات والخمر والسرقة وغيرها، لأن نشاط التهريب يعتبر مصدر الرزق الوحيد عند أغلبية شباب الطالب العربي. تزايد كميات البطيخ المهربة عبر الحدود الشرقية ازدادت كميات البطيخ “الدلاع” المهربة عبر الحدود الشرقية، خاصة مع تزايد الكميات المستهلكة، وأضحت المبادلات على الحدود بدون عملة مادام مهربونا يزودون التونسيين بالمازوت وهم يعطونهم، كبديل، كميات هائلة من الدلاع، وأضحت منطقة بن قشة الموزع الأكبر للدلاع القادم من تونس بعد أن يحمل عبر سيارات الدفع الرباعي إلى مختلف أسواق الولاية، ورغم غلاء سعره إلا أن إقبال المستهلكين على شرائه شديد نظرا لجودته. وتبلغ أسعار الدلاع في الجانب التونسي حوالي 15 دج للكيلوغرام الواحد، وتتميز هذه السلعة بعدم تلفها بسرعة ما يجعلها سهلة في التعامل، حتى ولو كانت المراقبة كبيرة، إضافة إلى عدم القدرة على رقابة مصادرها، مادامت هذه السلعة موجودة أصلا في الأسواق وبنفس الشكل ولا يمكن تمييزها عن المنتوج المحلي. الأمل في محلات الرئيس لانتشال الشباب من عالم البطالة ولدى سؤالنا عن مختلف النشاطات الأخرى لدى سكان طالب العربي، أجابنا الشباب بأن منطقتنا لا توجد بها أراض خصبة، على غرار بعض المناطق المجاورة، وإن وجدت فتنعدم إمكانية استغلالها نظرا لعدم توفر رأس المال، وقد يوجد بعض مربي الإبل والمواشي إلا أن عددهم قليل “ونطالب الدولة بمزيد من الاهتمام”، خاصة جانب توفير مناصب شغل. أما محلات الرئيس فقد أرجعت ملفات الاستفادة منها إلى جميع الشباب، حيث تم إيداعها منذ العهدة الماضية لدى رئيس المجلس السابق. كما أن شباب طالب العربي متذمرون من مسابقات التوظيف التي تسير، حسبهم، بالمحسوبية والبيروقراطية، وعلى مدار عامين أو أكثر لم ينجح جامعي في هذه المسابقات، أما الموظفون فيكونون من خارج المنطقة وبالتالي فهم كثيرو التغيب، خاصة في أول الأسبوع، لهذا طالب الشباب، خاصة المتحصلين على شهادات جامعية، باهتمام أكثر من المسؤولين وتوفير بعض مناصب الشغل التي ستخفف من حدة البطالة والآفات الاجتماعية. وهناك فئة أخرى من الشباب أيضا يعتبرون أنفسهم مهمشين وخارج مجال الاهتمام بعدما أودعوا ملفاتهم واستوفوا جميع الشروط، وهم الذين وضعوا ملفات لدى الوكالة الوطنية لدعم وتشغيل الشباب، حيث إن ملفاتهم، كما قالوا، اصطدمت بالعديد من العراقيل، خاصة الإدارية والبنكية التي تسير، حسبهم، بالمحسوبية. ويبقى شباب منطقة طالب العربي الحدودية بين مطرقة التهريب ومطاردة قوات الأمن، وبين سندان البطالة والآفات الاجتماعية، إلى حين التفاتة من طرف الجهات المعنية لإخراجهم من هذه الأزمات.