تعرف ولاية تبسةالشرقية تناميا خطيرا لظاهرة التهريب التي تستهدف العديد من السلع بما فيها المحظورة باتجاه الأراضي التونسية، حيث تمكنت مصالح الدرك الوطني بالولاية من إحباط محاولات لتهريب ما قيمته 17,1 مليار سنتيم خلال 24 ساعة فقط تم حجزها، وتمثلت هذه القيمة المالية في سيارات و10 آلاف لتر من الوقود في يوم واحد، وهو مبلغ مرشح للارتفاع بعد انتهاء التحقيقات باعتبار أن 10 مركبات أخرى تم حجزها لم يتم احتساب قيمتها المالية لأنها لا تزال قيد التحقيق للتأكد ما إذا كانت مزورة أو مسروقة. وهذا ما يعني أن ظاهرة التهريب في تزايد مستمر حيث قاربت قيمة المحجوزات 20 مليار سنتيم خلال الأربعة أشهر الأولى من السنة. أحبطت فرق الدرك الوطني خلال عمليات مداهمة قامت بها بعدة مناطق من ولاية تبسة نهاية الأسبوع إحدى أكبر محاولات التهريب كانت ستكبد الاقتصاد الوطني خسائر مالية ضخمة لولا التفطن لها. فقد استرجعت فرق الدرك الوطني سبع سيارات كانت مهيأة، معدة ومعبأة ب8200 لتر من المازوت و1926 لترا من البنزين، وهي كمية جد معتبرة بالنظر إلى المدة الزمنية التي تمت فيها العملية والتي لم تتجاوز يوما واحدا، وهو ما يبين أن ظاهرة تهريب الوقود من الجزائر إلى تونس باتت تتخذ أبعادا خطيرة بالنظر إلى الكميات الهائلة التي تحجز بغض النظر عن تلك التي يتمكن المهربون من ادخالها إلى التراب التونسي. كما استرجعت المصالح أيضا خلال هذه المداهمة التي جند لها 300 دركي ثلاث شاحنات على متنها 475 حزمة من الألبسة القديمة قادمة من التراب التونسي.
سيارات قديمة مزودة بمحرك قوي وصندوق واسع وأكد رجال الدرك الوطني ل''المساء'' أن معدل تهريب الوقود من تبسة إلى تونس يصل إلى 500 لتر يوميا بناء على القضايا التي تسجلها يوميا على الشريط الحدودي، مؤكدين أن عصابات التهريب تستعمل سيارات قديمة من نوع رونو 25 وبيجو 505 وكذا 504 بسبب اتساع حجم صندوقها الخلفي حتى يكفي لشحن حمولة لا بأس بها من الوقود الموجه للتهريب، كما أن هذه السيارات تتميز بقوة محركاتها القادرة على السير بسرعة فائقة في المسالك الصعبة والطرق الملتوية هروبا من رجال الدرك الوطني في حال اكتشاف أمر هؤلاء المهربين أو ملاحقتهم، بحيث يزيد السائق الذي يكون تحت تأثير المخدرات في الكثير من الأحيان من سرعة السيارة لاختراق الحاجز الأمني وهو ما يجعل المهربين في مرات عديدة يتعرضون لحوادث مرور بسبب السرعة المفرطة لدى اصطدامهم بعائق مفاجئ، كما أنهم غالبا ما يتسللون وسط الغابات ويلوذون بالفرار ويهملون هذه السيارات التي تكون معبأة بالسلع المهربة والمتمثلة في معظم الحالات في الوقود الذي يوجه إلى تونس قصد بيعه بسعر مرتفع يتجاوز عدة مرات السعر الذي يباع فيه بالجزائر، باعتبار أن الوقود الجزائري معروف بجودته مقارنة بالوقود التونسي كما أن ثمن اللتر الواحد أرخس بكثير مقارنة بسعر اللتر الواحد في تونس وهو ما يجعل الكثيرين من ولاية تبسة يلجأون إلى القيام بهذا النشاط غير القانوني ويمارسون ما يعرف هناك ب''الحلاب'' أي الشخص الذي يهرب الوقود. وبالرغم من منع هذا النشاط بسبب خطورة ممارسته فإن ''الحلابة'' يغامرون بحياتهم، وهو ما وقفنا عنده في العديد من البلديات الحدودية التي زرناها رفقة الفرق التابعة للمجموعة ال14 لحرس الحدود بكل من العوينات والمراكز المتقدمة لبني قلمان، هنشير زروال، والسويتير وصولا إلى الطريق المشترك بين الجزائروتونس والذي يدعى طريق ''رودة برودة'' أي ''عجلة بعجلة'' معناه طريق مشترك عجلة للجزائر وعجلة لتونس عند السير بحثا عن عصابات التهريب في طريق مهترئ وغير معبد يصعب السير فيه وسط الحشائش والحجارة وانعدام الإنارة ليلا، وهي المسالك التي يغامر فيها المهربون بالرغم من خطورتها وعدم قدرة سياراتهم في اغلب الحالات على تحمل صعوبة هذه المسالك كونها ليست سيارات رباعية الدفع التي يمكنها السير عبرها.
مهربون بسيارات مصفحة مضادة للرصاص كما تستعمل بعض عصابات التهريب التي تنشط في إطار شبكات منظمة سيارات مصفحة مضادة للرصاص حتى يتمكن أصحابها من الفرار واجتياز الحواجز الأمنية دون توقف بحيث لا تتأثر هذه السيارات المصفحة بطلقات الرصاص في حال تعرضها لطقات نارية من طرف حراس الحدود. ومن بين هذه السيارات المصفحة التي تم حجزها سيارة كانت تابعة للسلك الدبلوماسي بفرنسا تم إدخالها بطريقة غير شرعية للجزائر وتزوير رقم تسجيلها لاستعمالها في التهريب، وتأكدنا عند رؤيتها أن صلابة هيكلها المصفح تجعل ركابها في وقاية تامة إذ لا يمكن لأي طلقة نارية من اختراق هيكلها أو زجاج نوافذها حسبما شاهدناه ببلدية الحويجبات التي وجدنا بها سيارة مصفحة تم حجزها هناك لدى مرافقتنا لفرقة الدرك الوطني خلال هذه المداهمة. وعادة ما يستعمل المهربون شاحنات أو سيارات مزودة بخزان وقود مزدوج يتسع لحمل كمية معتبرة من الوقود.
حوالي 20 مليار قيمة السلع المهربة خلال أربعة أشهر وقد تم خلال الأربعة أشهر الأولى من السنة الجارية استرجاع 108 سيارات و15 شاحنة وحافلة وجرار وشاحنة مقطورة. فيما بلغت قيمة السلع المحجوزة خلال هذه الفترة 19 مليار و889 مليون سنتيم، علما أن أغلب هذه المحجوزات عبارة عن وقود، وقد عالجت مجموعة حرس الحدود لوحدها 130 قضية من شهر جانفي إلى غاية أفريل، حيث حجزت 18 مركبة ولم تتمكن إلا من توقيف مهرب واحد في الوقت الذي أصبح فيه المهربون يلجأون لكل الطرق للفرار من قبضة الدرك مهما كلفهم الأمر، بسبب تشديد العقوبات القضائية عليهم والمتمثلة في السجن زائد غرامة جزافية على عكس ما كان معمولا به من قبل بحيث لم تكن هذه العقوبة تتجاوز دفع المهرب لغرامة مالية وحجز سلعته فقط. وفي هذا السياق أكد قائد المجموعة ال14 لحرس الحدود الرائد بريشة الذي رافقنا في هذه العملية التي استهدفت مطاردة المهربين بالحدود الجزائريةالتونسية أن الفرق التابعة لمجموعته حجزت 22054 لترا من المازوت و7598 لترا من البنزين خلال الأربعة أشهر، بالإضافة إلى تلك الكميات التي تم حجزها من قبل باقي فرق الدرك الوطني خارج نشاط حرس الحدود. وتبقى مناطق الكويف، تبسة، بئر العاتر، الصفصاف، التريشة، ذراع الصنوبر، عين الكرمة، الشوافعة وبني قلمان المناطق الأكثر عرضة لتهريب الوقود باتجاه تونس بالإضافة إلى بعض المناطق الأخرى كالشريعة التي تعرف بتهريب النفايات الحديدية وغير الحديدية. وتقوم فرق حرس الحدود بتكثيف دوراتها بهذه المناطق بناء على معلومات وتحريات تستقيها من الميدان بعد معاينة الطريق حيث تتمكن من معرفة إن كان هؤلاء المهربون مروا من ذلك الطريق أم لا وذلك اعتمادا على أثار عجلات السيارات على الطريق أو فضلات الحيوانات التي يستعملونها في التهريب. كما أسفرت عملية المداهمة التي قامت بها فرق الدرك الوطني عن توقيف صاحب إحدى محطات البنزين ببلدية الشريعة بسبب امتناعه عن بيع الوقود لمستعملي الطريق واتفاقه مع المهربين لتزويدهم بالكميات التي يريدونها من المازوت والبنزين لتهريبها إلى تونس. وقد تم توقيف المعني وغلق محطته.
طيور الطاووس تهرب وتباع للسياح بتونس ودائما فيما يخص التهريب أكد قائد المجموعة الولائية للدرك الوطني بتبسة المقدم بوسعيد محمد أن مصالحه استرجعت كمية قدرها ستة قناطير من الحديد بعد تفكيك عصابة مختصة في سرقة قطع حديدية تستعمل في تثبيت قضبان السكك الحديدية، بالإضافة إلى استرجاع 70 قنطارا من الحديد المستعمل في البناء كان موجها للتهريب باتجاه تونس خلال الثلاثي الأول من السنة، إلى جانب حجز أكثر من 46 قنطارا من النحاس ببلدية الشريعة، و74 قنطارا من نفايات النحاس بمنطقة الحمامات. ولجأ المهربون هذه السنة إلى تهريب منتوجات جديدة لم تكن تهرب بكثرة في السنوات الأخيرة كطيور الطاووس لبيعها بأثمان باهظة بالعملة الصعبة للسياح الأجانب بتونس، بالإضافة إلى الصنوبر الحلبي وتمور دقلة نور التي تهرب إلى تونس ويضع لها وسم تجاري يبين أنها منتوج تونسي وتصدر إلى دول أجنبية بأسعار مرتفعة جدا.
مكلة هلال تقلد بسطيف وتزور بتونس كما تفطنت عصابات التهريب مؤخرا إلى نشاط آخر غير شرعي لتهريب »مكلة هلال« أي ما يعرف بالعامية ب''الشمة'' بحيث تقوم بنسخ علبها وطبع أكياسها الورقية بتونس ويوضع عليها ختم مقلد يحمل اسم وعنوان الشركة الوطنية للتبغ، ثم يتم إدخالها بطريقة سرية للجزائر وتوجه إلى منطقة عين ولمان بولاية سطيف لملئها بكميات من مكلة هلال المقلدة وتهريبها إلى تونس، وقد تمكنت فرقة حرس الحدود بمنطقة السويتير الحدودية خلال هذه العملية من حجز 147 ألف كيس ورقي لمكلة هلال تم إدخالها من تونس وكانت موجهة لهذه العملية. وتبقى الحدود الجزائريةالتونسية البرية بولاية تبسة الوجهة المفضلة لعصابات التهريب التي تنشط أحيانا ضمن شبكات دولية وهو ما يتبين من خلال الإمكانيات التي تتوفر عليها كالسيارات المصفحة التي تقوم بتزويرها، بحيث أصبحت المنطقة في الآونة الأخيرة تعرف تهريب كل السلع التي تحقق لأصحابها أموالا بعد بيعها .وتتنوع المنتوجات المهربة وتختلف من فترة إلى اخرى، حيث ألقت مصالح الدرك الوطني بتبسة مؤخرا القبض على امرأتين بحوزتهما 770 قطعة حلي مقلدة قادمة من تونس كانتا تنويان تسويقها بالجزائر والتحايل على الزبائن لولا التفطن لهما وتوقيفهما مع حجز كل الحلي المقلدة التي كانت بحوزتهما. كما تعرف المنطقة أيضا ظاهرة تهريب الآثار والتي تبقى من اختصاص عصابات دولية تستغل أشخاصا لسرقة هذه الآثار ومحاولة تهريبها بالرغم من خطورة هذه العملية التي تمس بالاقتصاد الوطني والتراث، حيث تقوم هذه العصابات في حال نجاحها في سرقتها ببيعها في المزادات العلنية بالدول الأجنبية لتوضع في المتاحف الأجنبية مثلما أكدته التحقيقات التي قامت بها عناصر الدرك الوطني في مرات عدة بعد تمكنها من إحباط محاولات تهريب قطع اثرية ثمينة وتوقيف مهربيها الذين اعترفوا بذلك. وكشف قائد المجموعة الولائية للدرك الوطني أن مصالحة بصدد التحضير لمخطط عمل خاص بموسم الاصطياف يهدف لمضاعفة عمل فرقها عبر كامل إقليم الولاية الحدودية للتصدي لمحاولات التهريب خلال هذه الفترة التي تعرف توافد الجزائريين على الأراضي التونسية لقضاء عطلة الصيف وهي المناسبة التي قد يستغلها المهربون للمرور وسط الحشد الكبير للمواطنين الذين يقطعون الحدود، باعتبار أن الشريط الحدودي لولاية تبسة يمتد على طول 297 كيلومترا يضم أربعة مراكز عبور كون المنطقة تعد منطقة عبور باتجاه تونس، ليبيا ومصر. وعرفت هذه السنة ارتفاعا في قضايا التزوير خاصة ما تعلق بتزوير السيارات التي تستعمل للتهريب، حيث استرجعت مصالح الدرك الوطني بتبسة 38 سيارة مزورة كانت تهيأ لاستعمالها في التهريب بالإضافة إلى ست شاحنات أخرى مزودة بمخزن وقود مزدوج غير أصلي يستعمل لنفس الغرض. وبما أن المنطقة رعوية فهي تعرف أيضا ظاهرة تهريب المواشي كالأغنام والماعز. وقد عرفت هذه الظاهرة منذ بداية السنة الجارية ارتفاعا ملحوظا بحيث تم تفكيك أربع شبكات كبيرة وخطيرة كانت تمارس هذا النشاط الإجرامي مع حجز ست سيارات كانت بحوزتها تستعملها لتهريب المواشي إلى تونس.