ثلاثة قطاعات حيوية في الجزائر تثير التوتر الدائم هي قطاع السكن، وقطاع العمل والبطالة، وقطاع التعليم. هذه القطاعات هي القنوات التي تقوم من خلالها الدولة بتوزيع ريع البترول بعدالة على المواطنين. أولا: السكن هو المظهر الاجتماعي الأول الذي تقوم من خلاله الدولة بمعالجة جزء من الأزمة الاجتماعية في البلاد من خلال توفير صيغة السكن الاجتماعي للمحتاجين، لكن هذه الصيغة لا تتم كما يجب.. ورغم القوانين التي سنتها الدولة لمحاصرة التلاعب في التوزيع عبر هذه القناة إلا أن سوء التوزيع ما يزال هو الظاهرة البارزة مع الأسف. لهذا نرى أن كل البلديات والولايات في الوطن ترتعد من عمليات توزيع السكن الاجتماعي.. لأن ذلك تصحبه موجة من الاحتجاجات تكون أحيانا عنيفة.. وقد أصبح المواطنون يعبرون عن مواقفهم مما يحدث في هذا القطاع بواسطة الاحتجاجات العنيفة.. حتى باتت الاضطرابات في البلديات والولايات مصاحبة وملازمة لعملية توزيع السكن الاجتماعي.. ووصلت نسبة الاحتجاج على توزيع السكن بواسطة العنف إلى أكثر من %60 على المستوى الوطني.. والقلة القليلة فقط هي الحالات التي تتم فيها عملية التوزيع بدون مشاكل. هذا يعني أن هناك خللا ما في عملية توزيع السكن بعضه عند الإدارة ومصالح الدولة.. وبعضه يوجد لدى المواطن.. من خلال عقلية التزوير والاحتيال، التي شملت كل شيء بما في ذلك مصالح الدولة والمواطنين على السواء! إذن نسبة كبيرة من الاضطرابات الاجتماعية الحاصلة في البلاد ترجع إلى هذا المشكل الذي يبدو أن الدولة أصبحت شبه عاجزة عن علاجه.. ليس بالعجز في البناء فقط، بل بالعجز أيضا في توزيع ما يبنى والعجز في تسييره أيضا! ثانيا: القطاع الثاني الذي يمول الاضطرابات الاجتماعية والاحتجاجات عبر الولايات والبلديات هو قطاع التعليم.. فزيادة على سوء العلاقة بين المواطن والمدرسة والجامعة في بلادنا.. أصبح أيضا هناك سوء علاقة آخر بين الأستاذ والمعلم والجامعة والمدرسة.. فأغلب الاضطرابات التي عصفت بالتعليم العالي والواطئ على السواء في السنوات الأخيرة هي من سوء العلاقة بين إطارات التعليم وإدارة التعليم بمختلف مراحله. ورغم مجانية التعليم في مختلف مراحله في الجزائر إلا أن الثالوث المستفيد من هذه المجانية غير راض.. فلا الطالب والتلميذ راض.. ولا الأولياء راضون.. ولا المجتمع راض.. ولا الدولة الممولة لهذه المجانية راضية! وهذا معناه أن هناك خللا ما في العلاقة بين الغاضبين الثلاثة. المؤسف أن علاج الغضب في هذا القطاع عرف في السنوات الأخيرة شبه انحراف خطير.. فأصبح غضب الطلاب والتلاميذ يقابل بامتصاصه عبر إجراءات لا علاقة لها بماهية التعليم.. كأن يعمد القائمون على التعليم بمعالجة غضب الطلاب والتلاميذ بإنجاحهم بالدراسة كما يحدث في امتحان البكالوريا كل عام.. أو كما يحدث في الجامعات الجزائرية مع الأسف. ثالثا: اليوم ظهرت بؤرة جديدة للتوتر العالي هي بؤرة العمل والبطالة، فلم يعد العمال وحدهم هم الذين يمارسون الاحتجاجات الاجتماعية في المناطق الصناعية، بل أصبح البطالون أيضا في مناطق العمران المحيطة بالمناطق الصناعية يمارسون التوتر الاجتماعي أيضا. فظهرت الاضطرابات الشبانية الذين يعانون من البطالة عند منابع النفط في حاسي مسعود وحاسي الرمل وغيرهما من المناطق البترولية والغازية.. وهذا منحى آخر تأخذه مسألة الاضطرابات الاجتماعية.. وهو منحى له تبريراته الاجتماعية القوية بخصوص سكان الجنوب. إذا أضفنا إلى هذه الاضطرابات القطاعية اضطرابات أخرى مثل الاحتجاج الاجتماعي عن انقطاع الماء والكهرباء والغاز.. وعن النقل والطرق فإن التوترات الاجتماعية تصبح ظاهرة مقلقة. الحمد لله حتى الآن لا يوجد أي رابط عام بين مختلف التوترات الحاصلة بهذه القطاعات.. لكن بقاءها دون علاج جذري قد يؤدي في يوم ما إلى إيجاد الرابط بينها.. وعندها ستصبح هذه التوترات ذات طابع وطني وتخرج من حالة محدوديتها القطاعية والمحلية إلى الحالة الوطنية العامة وعندها فقط سيخرج الوضع عن السيطرة.. وتصبح الحلول المتاحة اليوم أمام الدولة غير ذات جدوى. إذن فإن الاستهانة بهذه التوترات.. لأنها توترات محلية.. قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.. والبلاد ليست في حاجة إلى مشاكل جديدة أكثر من المشاكل التي عرفتها في عشرية كاملة.