لا أقصد بالحرائق هنا حرائق النار، وإنما الحريق بالمعنى العامي للكلمة. .. وعندما يلتهم حريق ويكيليكس شخصية سياسية في وزن زعيم الأرسيدي، سعيد سعدي، فإن الأمر يصبح خطيرا للغاية، لأنه ليس من الوطنية في شيء أن يقول مسؤول المخابرات كلاما لرئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية هذا على اعتبار أنه قال حقا الكلام الذي تناقلته برقيات سفارة أمريكا بالجزائر ويذهب سي سعدي وينقله حرفيا لسفير أمريكا بالجزائر، لأن مسؤول المخابرات إذا ما قال كلاما كهذا لرئيس حزب جزائري، يكون افترض أن هذا المسؤول أو الزعيم السياسي يحب وطنه ويخاف على مستقبله، وأنه يحفظ سره، لأن أمورا كهذه تعني أمن واستقرار البلاد أولا، أي تعني أمننا واستقرارنا جميعا، وكان من المفروض أن لا يردد كلام محدثه حتى مع نفسه. لكن يبدو أننا لا نملك لا أحزابا ولا طبقة سياسية واعية بمصالح البلاد، بقدر ما هي متسرعة للوصول إلى الحكم بأية طريقة وبأي ثمن ولو على ظهر الدبابة الأمريكية، مثلما حدث في العراق، وإلا بماذا نفسر فعلة سعيد سعدي هذه، وما الفائدة من نقله كلاما بكل تفاصيله الدقيقة إلى السفير الأمريكي؟ وهل كان الهدف التقرب من الإدارة الأمريكية التي يتمنى أن تعمل معه ما عملته مع المعارضة في العراق، أو مع قراضاي في أفغانستان، وتفرضه رئيسا للجزائر وفق المنطق الأمريكي. ألا يدري سعيد سعدي أن الأمريكيين كلهم عملاء للمخابرات الأمريكية بالدرجة الأولى، وأن الديبلوماسية الأمريكية تحدد في مقرات “السي أي أي” ؟ وأنه على عكس الطبقة الحاكمة في البلدان العربية والأحزاب الطامعة في السلطة مثل حزبه يقايضون كرسي الحكم بمصلحة أوطانهم وشعوبهم، ويبيعون أنفسهم وبناتهم لأمريكا من أجل أن ترضى عنهم، لا شيء يعلو لدى الدبلوماسيين الأمريكيين فوق مصلحة أمريكا. لا أدري، هل شعر سعيد سعدي بالخجل عندما عرته وثائق ويكيليكس، وحرقته برقيات صديقه السفير التي أرسلها إلى وزارة خارجيته، فالسفير الأمريكي لا يرسم السياسة الخارجية الأمريكية ولا هيلاري كلينتون نفسها، وسعيد سعدي الذي تمنيناه يوما أن يكون رئيسا ينتخب بطريقة ديمقراطية للجزائر لأننا نحب فيه صراحته وجرأته السياسية، ما هو في نظر صديقه السفير إلا مجرد مصدر لجمع المعلومات التي تحتاجها بلاده لرسم سياستها الخارجية مع بلادنا، ربما مصدر من درجة عالية بحكم علاقته مع شخصيات نافذة في الحكم ليس إلا. الخاسر الوحيد هو نحن، لخيباتنا المتكررة في هذه الأحزاب التي احتكرت لنفسها اسم الديمقراطية، وما هي في الحقيقة إلا أذيالا للمستعمر القديم والحديث على السواء. من الأفضل لأصدقاء السفراء الأمريكيين أن يخرجوا إلى الرأي العام ويعلنوا اعترافا بالذنب، ويطلبوا العفو من المواطنين قبل أن تفضحهم باقي برقيات ويكيليكس، ويفضحهم أصدقاء لا يعرفون للصداقة من معنى إلا ما يخدم مصلحتهم.