كلمة الإيديولوجيا ليست أكثر من كلمة بريئة محايدة، لا حول ولا قوة لها، ولكنها كانت ذات زمن ولى من أكثر الكلمات تداولا واستعمالا وجريانا على ألسنة المثقفين وأشباههم، على سبيل التباهي، في زمن المد الشيوعي الذي شهد انقسام العالم إلى معسكرين شيوعي بقيادة روسيا، وليبرالي بقيادة أمريكا.. وعلى الرغم من كون كلمة الإيديولوجيا تعني منظومة الأفكار إجمالا، إلا أنها ارتبطت أكثر بأفكار الشيوعية واليسار الإشتراكي حتى أصبحت حكرا عليهما، وكأن المنظومات الفكرية الأخرى خالية ومفرغة من أي محتوى فكري، ما جعلها تختلط في أذهان الكثيرين بالعقيدة الشاملة الغير قابلة للمراجعة النقدية. وكان كل من يتجرأ على مناقشة أفكارها، ولا يواكب صيرورتها وتطبيقاتها في الحياة والسلوك والكتابة متهما بالرجعية والعمالة لأفكار الإمبريالية العالمية. وقد أدى عصر نهاية الإيديولوجيا مع نهاية التاريخ حسب فوكوياما والذي انتهى بانتصار القوى الديمقراطية، ممثلة في أمريكا، إلى أن تراجع بريق هذه الكلمة التي لم تعد على الموضة، بل أصبحت من الكلمات البائدة التي يتهم صاحبها بالرجعية، واستبدلت بإيديولوجيات أو ادلوجات أخرى ارتبطت بالأفكار الدينية والإقتصادية التي تتواجد وتتعايش وتتصارع في زمن واحد دون أن تكون الغلبة لإحداها أو يكون لها ما كان للإيديولوجيا اليسارية من نفوذ وسطوة على الكتابة الأدبية العربية، شعرا ورواية ومسرحا خلال فترة الستينيات والسبعينيات، حيث كانت مسرحا لأفكارها وتعبيرا عن مبادئها الكبرى عن الثورة والتحرر والثروة والعدالة الإجتماعية.. ما جعل هذا الأدب، خاصة في جزائر السبعينيات، مجرد بيانات جوفاء خالية من كل أبعاد جمالية، مسايرة لأفكار المسار الاشتراكي، مليئة بمفردات النضال، القضية، حتى سمعنا كلمة "الخُبْزُمَ" أو من يتغني يعيون حبيبته التي تشبه القرية الإشتراكية.. وقد كان مشروع جيل الثمانينيات هو محاولة الإنقلاب على جيل السبعينيات في ولائه لإيديولوجيا المرحلة، من خلال تمرده عليها وانحيازه فقط للنص وجمالياته وتأسيسه لنص اللأيديولوجيا أو نص الحالة بعيدا عن اليقينيات الكبرى والمسلمات الشمولية. وبالنتيجة أصبح أدبنا اليوم بلا قضية مفتوحا على هواجس إنسانية صغيرة يمكن تسميتها بالأدلوجة، لا تعبر بالضرورة عن قضايا أو مقولات فلسفية وفكرية كبرى. أحمد عبدالكريم