هناك مقولة تردد كلما أتينا على ذكر الزوايا الدينية في الجزائر، مفادها أن الزوايا "عبادة وسياسة"، لا أحد منا قال إن الزوايا ثقافة.. فهل من الممكن أن نطرح زاوية جديدة للنقاش تقول بأن الزوايا خاصة في عام 2011 ستكون "عبادة وسياسة وثقافة؟" لكن قبل ذلك سنستعرض ثلاث نقاط هامة في تاريخ الزوايا في الجزائر ولن يتم فهم الطرح العام لموضوعنا من دونها، أولها حركة "الإصلاح الأولى التي تزعمها بن باديس وبعده الرئيس الراحل هواري بومدين الذي ظل ينهج نهج الإصلاح بالمعنى السائد آنذاك فانحصر وجودها وتقلص دورها السياسي. النقطة الثانية؛ هي عودة الحراك الصوفي في الجزائر، وبالضبط سنة 1991، عندما أعيد صوت الزوايا للواجهة، من منطلق سياسي تقول حبكته إن الخط الصوفي وخصوصيته في الجزائر من شأنه أن يشكل حاجزاً حقيقا لجبهة الإنقاذ الإسلامية التي فازت بانتخابات 1990.. فبدأ الوجود المقنن للزوايا من خلال إنشاء الجمعية الوطنية للزوايا. أما النقطة الثالثة وهي مرحلة النفوذ، فكانت بقدوم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي عزز دور الزوايا كما عززوا هم أيضا وجوده. إذن، تذوب الخطوط جميعها وتجعلنا نعود للسؤال الأول : هل من حراك سياسي للزوايا في الجزائر؟ موهوب نصر الدين، الناطق الرسمي للزاوية العلاوية يؤكد أن الزوايا لم تكن غائبة حتى تعود وإنما هناك تغييب لدورها سيما في الجانب الثقافي لأن البروز يكون دائما لصالح السياسة أما الفعل الثقافي فتقوم به الزوايا وقامت به بلا ضجة منذ بداية نشأتها. المثقف والانتماء الصوفي وعن مدى احتواء الزاوية للمثقف، يقول: "التطرف الذي رأيناه منذ بداية الثمانينيات وبلغ أوجه في التسعينيات، أثبت فشله كقائد بديل لهذه الأمة، لهذا فإن الإنسان العادي وقبل ذلك النخبة المثقفة، وجدت في الزوايا ملاذا لهم ولأفكارهم وآمالهم، لهذا أصبحنا نشهد في الآونة الأخيرة رجوعا صادقا من هؤلاء إلى الزوايا، من أجل الخروج من الأزمات التي يمرون بها، تماما كما يفعل العامة". نصر الدين موهوب يدخلنا إلى الحلقة الأولى من النقاش وهي المثقف.. انتماء المثقف للزوايا الدينية، هل يجعلنا أمام مثقف مقرب للسلطة راض عنه ومرضي؟ بهذا تتطور نظرية غرامشي عن المثقف العضوي وتصير لدينا جدلية جديدة حول المثقف الصوفي، الاستناد الصوفي للمثقف هل يمنحه سلطة إضافية غير سلطة الإبداع والإنتاج الثقافي؟ هل يتسارع المثقفون من أجل هذا الأمر؟ وهل يتم تصويف المثقف على وزن تسييس المثقف.. لأنها في صورتها النهاية عملية تمسح سلطوي لا غير.. المتصوف بوزيد بومدين له رؤية خاصة في هذا الموضوع، حيث يرى أن المثقفين المتصوفين ثلاثة أنواع فيقول: "عندما تربط التصوف بالمثقف سوف نجد أننا أمام أصناف ثلاثة، الصنف الأول وهم متصوفون لا ينتمون إلى طريقة من الطرق.. يمثل التصوف بالنسبة لهم حالة معينة من الصفاء الروحي.. مطلعون على التراث الصوفي ومختلف أمهات الكتب الصوفية، ورغم هذا لا ينتمون إلى زاوية معينة. الصنف الثاني هم مثقفون ينتمون إلى أكثر من زاوية، يفرقون بين أفعالهم وطقوسهم ولا يفقهون الفعل الصوفي بشكله العام لكنهم يحسبون على المثقفين المتصوفة.. وهناك الصنف الثالث وهو الذي يحاول ركب موجة التصوف لا غير.. من دون زاد صوفي معين.. ولا رؤية واضحة.. هم عبارة عن طرقيين انتهازيين لا يهمهم شيء غير الظهور في المشهد الثقافي أو السياسي من أجل أغراض خاصة لا غير فهم لا يعيشون عالم التصوف ولا يعرفون عنه شيئا وإنما يدعون ذلك من أجل الاستفادة الشخصية.. لكن هناك مثقف صوفي دافعوا عن الطرق التي ينتمون إليها وقدموا لها الكثير من الأمور سواء عن طريق التوثيق الكتابي أو عن طريق المواقف المتكررة، أمثال الطاهر عبد الرحمن، وسعاد الحكيم وغيرهما من مثقفي العرب.. بالنسبة لي أحبذ المثقف الذي يمارس التصوف لأنه يشكل حالة صفاء إبداعية وخلقية كبيرة حتما ستنعكس على إبداعه الثقافي وعلى الحركية الثقافية في المشهد الثقافي الذي يشارك فيه". لنترك المثقف وخيارته.. ولنعد لدور الزوايا في ممارسة الفعل الثقافي.. عن هذا وبصورة تاريخية يقول نصر الدين موهوب:" الزاوية العلاوية ومنذ نشأتها عرفت أن دور الزوايا هو دور تعليمي.. علينا أن لا نخطئ، الزوايا أنشئت أصلا لتعليم القرآن وعلوم الدين وهذه وحدها وظيفة تربوية ثقافية شديدة الأهمية، ولعل الأوضاع التي تشهدها الأمة وبخاصة الأزمات الأخلاقية التي عصفت بمجتمعنا كالنهب، والسرقة، والكذب والنفاق، لم تجد إلا الزوايا للحدّ من انتشارها، كون القائمين على الزوايا، يقدمون أفضل النصائح لهؤلاء من اجل نشر ثقافة التسامح، والحب، والسلام في الأوساط الشبابية لهذه الأمة، مثلا الزاوية العلاوية تفطنت منذ البداية لهذا الدور وأخلت العنصر التكنولوجي بحيث جلبت مطبعة في عشرينيات القرن الماضي وطبعت جريدة البلاغ عام 1921 .. وجريدة لسان الدين عام 1926، كما احتضنت المسرح الجزائري العربي عندما رفضت السلطات الفرنسية أن يعرض بسبب لغته العربية وأهدافه التحررية.. ولا تزال تحافظ على هذا الدور من خلال الملتقيات الدورية والندوات والبرامج الفكرية على مدار السنة.. لان الهدف هو الارتقاء بالإنسان إلى مصاف الاقتدار الثقافي وهناك استجابة كبيرة من المجتمع لأن المجتمع يقدم الوقف للزاوية وهي تشرف على تسيره بما يوافق تقديم ثقافة معينة". من جانبه السيد أحمد بن عمار التيجاني وهو أحد أحفاد مؤسس الطريقة التيجانية يرى أنه:" من الظلم أن نحصر النشاط الثقافي في البرامج الوزارية فقط.. ومن الظلم أيضا أن لا نعترف للزوايا بدورها الثقافي عبر عهود طويلة من العمل.. لطالما كانت الزوايا هي مراكز الإشعاع الثقافي الحقيقي، لأنها تربي وتعلم وهذا الدور كان في عالم العالم الإسلامي والعربي.. لاسيما دور التيجانية في إيصال الثقافة الإسلامية إلى إفريقيا.. هذا العمل أليس فعلا ثقافيا ؟؟ الزوايا هي التي حفظت المخطوطات من الضياع، ومن مالها الخاص كانت تدفع للناسخين من أجل نسخ الكتب والحفاظ عليها.. لذا ليس من المنصف أن نتحدث عن الدور الثقافي للزواية لمجرد ظهور تظاهرة تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية.. لأن الدور الثقافي فيها متجذر وهو أسرار استمرارها". النقاش مستمر.. والحركة الصوفية في الجزائر تحتاج للكثير من الأسئلة.. عاصمة تلمسان قد تعرج على هذا.. ومن المفروض أن تفعل هذا.. لكن الثقافة صارت في النهاية كالخيط الرفيع الذي يمكن أن يؤمم في أية لحظة.