سجلت مصلحة الإسعافات الاجتماعية لمديرية النشاط الاجتماعي بوهران، إحصاء أكثر من 380 متشردا بشوارع المدينة بدون مأوى، منهم نساء وأطفال، نتيجة ظروف اجتماعية قاهرة رمت بضلالها على هؤلاء الأشخاص المتشردين الذين يلتحفون السماء ويفترشون ليلا أرصفة الطرقات للنوم عليها أغلب الحالات متواجدة بشارع معسكر حيث تقيم العديد من النساء رفقة أبنائهن الرضع وأثاث منزلها، وذلك في ظل أزمة السكن الخانقة التي تعيشها الولاية والارتفاع الكبير لأسعار إيجار السكنات أمام شبح البطالة، بالإضافة إلى وجود أزيد من 7 عائلات تقيم بحي مديوني بالشارع بعدما طردت بالقوة العمومية وبقرار قضائي من المنزل المستأجر، ولم تجد مكانا آخر إلا الشارع للإقامة فيه وأثاث منزلها مبعثرا فوق الرصيف، دون أن يتحرك مسيرو بلدية وهران، وهي الصور والمظاهر التي أصبحت تتكرر في أكثر من شارع بعدما انقطع أبناؤها عن الدراسة نتيجة حالة الفقر المدقع الذي تعاني منه. وتقيم أيضا مجموعة من الأطفال المتشردين بمحاذاة القنصلية الإسبانية حيث يفترشون يوميا الرصيف للإقامة فيه، إلى جانب الحديقة المجاورة أيضا للمركز البريدي بوسط المدينة والتي تحولت إلى فضاء لإقامة المتشردين الذين تم تسريحهم من المؤسسات التعليمية ليحتضنهم الشارع، بعدما هربوا من منازلهم ومن ظروفهم الاجتماعية القاسية. وأظهرت التقارير الرسمية لعناصر خلية الأحداث من المجموعة الولائية للدرك الوطني بوهران، ومن خلال الدراسة والأبحاث التي أجرتها فرقها على الطفولة المتواجدة في خطر معنوي ومتشردة في الشوارع، أن نسبة 50 بالمئة من هؤلاء الأطفال المتشردين أولياؤهم عاطلين عن العمل و40 بالمئة منهم يشتغلون في القطاع الخاص كأجراء و10 بالمئة بالقطاع العام، كما أن المستوى التعليمي لهؤلاء الأطفال المتشردين منخفض جدا، حيث تبقى نسبة 41.32 بالمئة منهم من الطور الابتدائي و32 بالمئة من المتوسط و6.66 بالمئة من الطور الثانوي، في الوقت الذي تبقى فيه ولاية وهران تتصدر المرتبة الأولى في عدد الأطفال المتشردين بحكم أنها عاصمة الغرب الجزائري والتي يجد فيها الكثير من الأطفال القصر الذين تم طردهم من الدراسة من ولايات غربية المدينة الأنسب للإقامة فيها في ظل التفكك الأسري وحالات طلاق الوالدين أو وفاة أحدهما ومشاكل أخرى عديدة، تليها بعد ذلك ولاية مستغانم ثم غليزان. أوضح من جهته ضابط مسؤول بخلية الأحداث التي تشرف على 12 ولاية غربية أنه من خلال 93 دورية، سجل السنة الماضية تحويل 39 طفلا قاصرا على قاضي الأحداث بعدما كان في خطر معنوي بالشارع ومعرض للانحراف والانسياق في عالم الإجرام، خاصة بعد تورط البعض منهم في عمليات سرقة واعتداءات وكذا تعاطي بعض الأنواع من المخدرات والكحوليات، حيث تم إيداع أولئك الأطفال في مراكز إعادة التربية ومنهم فتيات كانوا يمارسون الدعارة والفاحشة، كما تم تقديم يد المساعدة ل 14 عائلة لإعادة دمج أبنائها في الأسرة بعد ظهور أعراض عدوانية لديهم، ليضيف أنه من بين 10 آلاف قضية ضرب وجرح عمدي تم تسجيلها في 2010، فإن هناك 806 طفل قاصر متورط فيها على الصعيد الوطني ومن بين 9369 قضية سرقة هناك 1197 قاصر متورط فيها أيضا. إلى جانب قضايا القتل العمدي والخطأ وغيرها من القضايا التي باتت تشكل خطرا على مستقبل هاته الشريحة بعد جنوح الأحداث، في الوقت الذي أصبح فيه التسرب المدرسي يشكل نسبة 12 بالمئة من تشرد الأطفال في الشارع، الأمر الذي بات يدق ناقوس الخطر ويتطلب وضع آليات لحماية الأطفال القصر، إلى جانب تعميم المطاعم والنقل المدرسي عبر جميع المدارس خاصة المناطق النائية التي تفتقر إلى مثل هذه الهياكل والتي كانت وراء تدني مستوى التحصيل الدراسي للتلميذ وبالتالي تسريحه مبكرا، ليبقى يتسكع في الشوارع ويدخل عالما آخر من الحرمان والمعاناة والحاجة. وما شد انتباهنا ونحن نسير بشارع العربي بن مهيدي بوسط المدينة وجود شخص جالس على الرصيف بينما كان يخفي وجهه بقبعته وبجانبه فراشه وبعض أثاث المنزل ربطها بحبل ليتفادى ضياعها، وقد جلس بجانبه يتسول، بينما حجز لنفسه على الرصيف مساحة كبيرة على حساب المارة الذين لم يجدوا أمامهم إلا السير في طريق السيارات. وعلى بعد أمتار تجد امرأة أخرى تجلس رفقة ابنها الذي تضعه في المهد وبجانبها أثاث منزلها مرمي، وهي الصور والمشاهد التي باتت تتكرر أينما تمد نظرك بشوارع الباهية التي تعكس الحالة المزرية والظروف المعيشية الصعبة التي يحياها الأشخاص المتشردون والطفولة البائسة التي رمت بها الأقدار للشارع الذي لا يرحم، حيث أصبحوا معرضين للأمراض والأوبئة والموت والقتل.