بعد حمى القرصنة التي أضحت تتعرّض لها أغلب الأعمال الموسيقية والدرامية، أصبح وضع الفنان الجزائري على المحك، ما نتج عن هذه الظاهرة ركودا حادا في الساحة الفنية، وفي المحلات الخاصة ببيع هذا النوع من الأشرطة، ما جعل العديد من الفنانين يدقون ناقوس الخطر الذي يعصف بهم يوما بعد آخر، ويزيحهم من الساحة الفنية التي قضوا فيها ما لا يقل عن 20 سنة يتضح لكل المهتمين بالشأن الفني، التراجع الكبير لمستوى الإنتاج الخاص بالأشرطة الفنية بنوعيها “الكاسيت، والسي دي“، وذلك بعد الهيمنة الواضحة التي فرضتها شركات إنتاج وهمية تتمثل مهمتها الأولى والأخيرة في إغراق السوق الوطنية بالأشرطة المقرصنة، وهي الزوبعة التي زادت من حصرت الفنانين الجزائريين الذين تحدثنا معهم حول الحقوق التي يتلقاها هؤلاء من الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، والتي من المفترض هي مؤسسة تحمي هؤلاء من هذه الأعمال التي تضرّ بالمشهد الفني عندنا. ولكن يؤكد بعض الفنانين في حديث جمعهم مع”الفجر”، أنّ المشكل أعمق بكثير من مجرد قرصنة لأعمالهم وصمت واضح من الجهات المختصة بمراقبة هؤلاء القراصنة ومحاسبتهم على هذه الأفعال ودفع ثمن جرائمهم هذه، لهذا يحمّل عديد الفنانين مسؤولي قطاع الثقافة الوضعية التي يتخبط فيها هؤلاء، تماما كما يحمّلون مؤسسة التلفزيون الجزائري جزءا من تلك المسؤولية، خاصة وأنّ هذه المؤسسة لا زالت لم ترفع بعد من قيمة حقوق بثها لأعمالهم الفنية، من جهة وبث أعمال فئة من الفنانين دون غيرها في مختلف المناسبات والفترات من السنة، وهو ما يجعل الفنان يتقاضى مبلغا رمزيا لا يتعدى ال2000 دج في السنة، فيما يتقاضى آخرون مبالغ معتبرة تعود عليهم بالفوائد سنوياً قد تساعدهم على الاستمرار في الوسط رغم كل العراقيل التي تحيط بهم. يقول الفنان القدير الصادق جمعاوي، في هذه النقطة، إنه شخصياً يحترم الالتزام الواضح والجلي من قبل مؤسسة التلفزيون الوطني وكذا مؤسسة الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، في منحه حقّ بث أعماله الفنية في التلفزيون، على الرغم من أنه لا ينتبه لمثل هذه الأمور وهذه العوائد التي تأتيه سنويا، لكنه أعاب الفوضى التي أضحت تحكم الوسط الفني اليوم، في ظل الصمت الرهيب الذي يخيم على كافة القطاعات المعنية بالفن، بدءا من وزارة الثقافة وصولاً إلى شركات الإنتاج التي لا تقدم كافة رقم أعمال فنانيها لديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، من أجل التصريح به لدى الهيئات المعنية. لهذا هو يطالب في كل مرة بضرورة ميلاد نقابة حقيقية ترعى الفنانين الجزائريين وتحرص على أخذ حقوقهم كاملة دون أي نقص أو زيادة، فالفنان في رأيه لا يمكنه أن يبحث عن حقوقه المادية، لأنه فنان وعليه أن يهتم بفنه وصورته أمام جمهوره، أما تلك الأمور المادية فهي من اختصاص النقابات الفنية والقائمين بأعمال الفنانين. بدوره، يؤكد المطرب الشاوي حسان دادي، المطالب التي دعا إليها جمعاوي، لكنه أعاب غياب حقوقه المشروعة في كسب حق بث أعماله في التلفزيون الجزائري، حيث أكد المتحدث أنه لم يحدث وأن تلقى هذا الأجر، لكنه يتلقى فقط أجر تصريح أعماله الفنية التي تنزل في الأسواق، منوّها بدوره إلى أنه يجهل تماما كيفية احتساب هذه العوائد، لأنه شخصيا لا يهتم بالأمور المادية كثيراً، لأن الفنان الحقيقي لا تهمه مثل هذه الأمور وأن لديه اعتبارات أخرى أهم. أما الفنانة القديرة نادية بن يوسف، فقد اعتبرت المجهودات التي تقوم بها مختلف الهيئات التي تعنى بالفن عندنا، سواء مؤسسة الديوان الوطني للثقافة والإعلام ومؤسسة فنون وثقافة والديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، بالمجهودات الجيدة التي من شأنها أن تتطور وتصل بالفن والفنانين على حد سواء إلى مكانة محترمة في الوسط الاجتماعي عندنا، ولما لا يصل الفنان الجزائري إلى المكانة التي يحتلها الفنان في فرنسا، وأمريكا ولبنان وغيرها من الدول الأخرى. وفي ردها على سؤالنا حول الحقوق التي تتلقاها من “لوندا” جراء بث أعمالها في التلفزيون الجزائري، فقد اكتفت المتحدثة بالتعليق قائلة إنها لا تظهر كثيراً في التلفزيون لهذا فهي لا تنتظر أن يكون لها عائد كبير من هذه العلمية، مثمّنة في الوقت ذاته المجهود الذي يبذله هؤلاء في المحافظة على الأصوات الفنية القديرة. في حين اعتبر الفنان عبد القادر الخالدي، هذه العائدات بالقيمة التي من شأنها أن تجعل الفنان يسعى في كل مرة إلى تقديم ما هو أفضل من أجل كسب ثقة كل الأطراف. وفي الوقت الذي لاحظنا وجهات نظر قيّمة من قبل بعض الأصوات الفنية التي اعتدنا على وجودها ورؤيتها على شاشاتنا الوطنية، يتساءل البعض الآخر من فنانينا عن أسباب القطيعة التي يضعها التلفزيون الجزائري وعبر مختلف محطاته على أعمالهم، ما يجعل هذه الميزة غائبة عنهم. وفي سياق آخر، تعاني فئة أخرى من الفنانين خاصة فناني الجيل الجديد أو موجة الفنانين الجدد من عدم فهمها أو درايتها بهذه الحقوق المترتبة عن بثّ أعمالهم الفنية في التلفزيون الجزائري والإذاعة وغيرها من الحقوق، فالذي يهم هؤلاء هو التواجد في الساحة الفنية ولو على حسابهم الخاص، ربما لهذا لا يبدي هؤلاء معاناة أو تذمرا من مشكلة القرصنة التي سببت ركودا في الوسط الفني منذ بداية بروز هذه الظاهرة التي أصبحت تأخذ اليوم أبعادا خطيرة أصبحت لا تهدد مستقبل الفنانين وشركات الإنتاج فقط، بل أيضا الوسط الفني الذي تضرر كثيراً من هذه الأفعال التي تسيء للفن على حدّ قول زهير ممثل دار إنتاج “دنيا إيديسيون”، الذي صرّح لنا بأنه وفي ظل تأزم هذه الأوضاع الفنية وعدم التصريح برقم الأعمال الحقيقي من بعض المتطفلين على الإنتاج الموسيقي عندنا، فإن الساحة الفنية ستشهد تراجعا محسوسا موسما بعد آخر. ودعت جميع الأطراف سواء فنانين أو موسيقيين أو منتجين الهيئات المعنية بالتدخل السريع لإيجاد حلول فعّالة للقضاء على أي تطفل قد يسيء لمهنة الفن التي ظلت لسنوات عديدة تعاني من التهميش، خاصة وأن هذا التهميش يأتي من قبل المؤسسات المعنية بالفن قبل أن تكون من خارجه. ولعل عدم منح الفنانين نسبة محترمة من جراء بث أعمالهم في المحطات التلفزيونية والإذاعية وغيابهم عن المشهد الفني والمهرجانات عموما هو أكبر مشكل يعاني منه هؤلاء، بغض النظر عن حجم الضرر التي يصيبهم.