ها هي أيام الله والوطن تعود كل عام، تجلدنا تارة بالذكرى النائحة، وتدير لنا الظهر تارة أخرى غضبا مرا علينا لأننا على ما يبدو أصبحنا تلاميذ كسالى في مدرسة المجد، ولم نعد في ذات الإبان نعرف طريقنا إلى الانتصار أو تجديد انتصارات الماضي والعيش على أطلالها، فأي إخفاق بسطته لعنة الطفولة العقلية على الرقاب بجرم سياسات ماتزال تراوح مكانها ولا تعرف رأسها من ذيلها أو هكذا يبدو لنا نحن أمة العماء والتيه. إننا يا قوم وب "تسونامي من التوجع والتفجع" نستشعر أن العقود الخمسة التي مرت على استقلالنا مازالت غير كافية لنتأكد أننا أحرار كما يوجب قرآن الحرية، وأننا ننعم بالنصر المظفر السيد كاملا غير منقوص لأن كلام الحال الذي نتخبط فيه أصدق إنباء من الكتب والشعارات التي ما قتلت ذبابة. الظاهر أن فرنسا بالثياب المرقطة دحرت من الأرض ولكن هل نسفت من صدور شلة من بني الجزائر، لعمري إنه السؤال اللغز، وهو ما يبرر أن يطيش بنا اليأس حد اتهام الذات الجزائرية، سائسة ومسوسة، بأنها أصيبت ب "البرود السياسي" إزاء ماء النخوة الذي يهدر غير مأسوف عليه، وهو ما جعل الدكتور القورصو يعتبر أن السلطات الجزائرية أدارت ظهرها لمطلب نواب البرلمان باعتماد قانون تجريم الاستعمار، وطوي المطلب وسكت النواب عن الكلام المباح، على أن أشير فقط أن المصاب بالبرود لا يمكن أن يكون فاعلا أبدا في مخادع "البوليتيك". لا نفهم سر غمز ولمز السلطات لهذا المطلب، ومهما كانت المصالح بلغة السياسة عظيمة فإن التخاذل أمام هذا المطلب غير مفهوم ومحبط، وبذات المصالح في حال قبول نظرية المصالح أو المراوغة السياسية علام تجرأت فرنسا على وضع قانون تمجيد الاستعمار رامية المصالح المزعومة عرض المرحاض عام 2005 بوقاحة لا نظير لها، وهي اليوم بإشراف ساركوزي تحضر لفعاليات التمجيد العام المقبل في ذكرى خسارتها الجزائر، وتعد لذلك الولائم والمزاعم. وفرنسا ذاتها استطاعت أن تفتك من ألمانيا اعتذارا جراء ما قامت به النازية عندما استباح هتلر السيادة الفرنسية في أربعينيات القرن الماضي واحتل فرنسا وارتكب جرائم تماما كما كانت فرنسا تفعل بالعديد من دول إفريقيا وآسيا ولاتزال اليوم فيما تقوم به مع " الناتو" ضد الشقيقة ليبيا. في هذا الباب علينا أن نذكر أن فرنسا قدمت اعتذارا عما ارتكبه مواطنوها زمن حكومة فيشي المتواطئة مع النازية إزاء اليهود، وذهبت لدرجة سن قانون يعاقب بالسجن والغرامة كل من يتجرأ على التشكيك في المحرقة، أو المزايدة على ما تعرض له اليهود منذ نصف قرن من الزمن، لا بل ذهبت لحد دفع تعويضات لهؤلاء، وهي ترفض اليوم أن تسمي ما حدث في 8 ماي 1945 ب "الإبادة " وتعتبرها أحداثا أو رد فعل، وقد شهد شهود من فرنسا أنها كانت إبادة على أشنع ما تكون الإبادة، إذن هي المحرقة، ولكن شتان بين ما تعرض له اليهود وما اقترفته هي في أرواح الجزائريين منذ 1830، فاليهود حسبها بشر والجزائريون ذباب؟ ومع كل هذا فإننا لا نفهم أسرار سكوت من نادوا بالتجريم من نواب الشعب وغرقنا بعد ذلك في نقاشات أعقم من "بول البغال"، وتهنا في ردود ومزايدات تجعل الولدان شيبا. ها هنا نحن صورة حية للعجز عن توليد الآمال من الآلام كما فعل قوم قبلنا دحروا فرنسا وكان تحرير الجزائر وفقا للمنطق العام كذبة سخيفة أو نكتة مبحرة في البلادة ولكن ربك يبعث العظام وهي رميم، كذا تعود أيام هي ملاحم لكننا نختصرها كالعادة في خطابات وحفلات تبعث في النفس شعورا موغلا في العبثية الملونة بأرجل القرف. اسمحوا لي أن أفتح تساؤلا للساسة المكرسين عندنا أو كبار العائلة السياسية "لماذا يستأسدون على بعضهم البعض وأمام القضايا الكبرى يصيرون كالنعامات، أكاد لا أستثني أحدا، إني أطالبهم ب "شوية حشمة، راكم اتبهدلوا، والناس اعيات منكم"، الأكيد أن هذا الكلام لا يعنيهم لأنهم يحفظون كتاب "كيف يكون وجهك تمساحيا ملطخا بالبراز الأصفر" والله المستعان .