قد توصف لجنة بن صالح مستقبلا بلجنة الانقلاب على الحوار! ففي سنة 1993 نجح مهري في إقناع رئيس المجلس الأعلى للدولة، علي كافي، بضرورة فتح حوار جدي مع جماعة الفيس في السجن لتطويق أزمة العنف التي بدأت تطل برأسها على البلاد.. واستحسنت قيادات في الجيش آنذاك المبادرة وتم الاتفاق على عقد لقاء رباعي تشارك فيه الجبهات الثلاث تحت رئاسة المجلس الأعلى للدولة للنظر في حل سياسي للأزمة.. وطار مهري إلى الخارج لإقناع آيت أحمد بالمبادرة ووافق آيت أحمد على المبادرة دون تردد.. وذهب زروال لمقابلة الشيوخ في البليدة وسارت الأمور بسرعة نحو بوادر حل سياسي، لو قدر له النجاح لكانت أوضاع الجزائر تختلف على ما هي عليه الآن.. وكنا وفرنا على البلاد 200 ألف قتيل و20 مليار دولار أكلتها نيران الأزمة.. و7 آلاف مفقود. لكن الوسواس الخناس وسوس في أذن الناس قائلا لهم: إن كافي قد يتواطأ مع مهري والفيس وآيت أحمد للإيقاع بمن أوقف المسار الانتخابي.. فدبت الشكوك في النفوس بخصوص صدق النوايا وتم إجهاض المبادرة بتعيين لجنة للحوار الوطني تشبه في تركيبتها لجنة بن صالح اليوم وتشبهها أيضا في مهامها. ومن غرائب الأمور أن اللجنة كان فيها بن صالح وتواتي وقاسم كبير والدراجي.. وكانت لجنة منفصلة عن الرئاسة! ولهذا كان حوارها غير جدي لأنها كانت مكلفة بإفشال الحوار وليس إنجاحه! ولهذا وصفت بأنها لجنة للانقلاب على الحوار وليست لجنة للحوار! وقاطعت الجبهات الثلاث الحوار مع هذه اللجنة.. ولم تجد اللجنة من تتحاور معه في جنان الميثاق سوى أشباه السياسيين! وقد كنت أحد الذين دعتهم هذه اللجنة للحوار بسبب أن لجنة الأممالمتحدة لتقصي الحقائق التي كلفتها الأممالمتحدة بزيارة الجزائر وتقصي حقائق ما يجري فيها قد استمعت إليّ أيضا.. وكانت لجنة الأممالمتحدة يرأسها ماريو سواريس والكباريتي والسيدة ماري من فرنسا.. وقد أعدت لجنة الأممالمتحدة تقريرا مفصلا حول الاتصالات التي أجرتها في الجزائر.. ونشر التقرير في موقع الأممالمتحدة على شبكة الأنترنت آنذاك! ما أريد قوله هنا هو أن الرأي العام يحس بأن لجنة بن صالح التي تجري الحوار بهذه الطريقة قد تكون انقلابا جديدا على الحوار الجدي حتى ولو كانت تجتمع برئاسة الجمهورية وليس بجنان الميثاق. وإذا كان الأمر في الماضي يتعلق بالتخوف من جنوح المجلس الأعلى للدولة لفكرة أولوية السياسي على العسكري من خلال الحوار مع الجبهات الثلاث.. فإن الأمر اليوم يتعلق بالتخوف من أن تذهب الإصلاحات التي أعلنها الرئيس بوتفليقة إلى عمق المشكلة التي تعني تمدين الحكم بتغيير النظام جذريا.. خاصة وأن مشكلة تونس ومصر وما حدث هناك ارتعدت لها فرائس بعض الحكام عندنا! لهذا كانت هذه اللجنة الباهتة للالتفاف على الحوار وعلى ما يريده الرئيس أو قد يفكر فيه! فكان الحوار مع اللجنة لا يخرج عن نطاق المقولة الشهيرة للنظام بشأن مفهومة للحوار والحرية: "أنت حر في الطريقة التي تراها مناسبة في التعبير عن ولائك لي!". نشر بتاريخ 2011.05.23