انتهى الحلم الإفريقي في وصول المنتخب الوطني إلى نهائيات كأس أمم إفريقيا 2012، وبذلك سقطت الشجرة التي كانت تُغطي الغابة، التي كانت في كل مرة تستر المهازل والانكسارات التي تتعرض لها الكرة الجزائرية، انكشف المستور بعد “مهزلة مراكش” التي لن ينساها الجزائريون طيلة الفترة القادمة لأنها ببساطة وضعت الجميع أمام الواقع المر. إلى متى الهروب إلى الأمام؟ اتضح أن سياسة البريكولاج والهروب إلى الأمام لن تجدي نفعا حتى وإن نجح بعض المسؤولين في تنفيذها في وقت من الأوقات لأن عالم الساحرة المستديرة صعب، وكله حسابات وأرقام معقدة ويجب وضع أسس متينة وصلبة لبناء قاعدة كروية لا تزول بزوال الرجال. تغيير المدرب لم ولن يكون حلا اعتقد الجميع أن قدوم الجنرال بن شيخة لخلافة رابح سعدان قد ينهي مسلسل الإخفاقات، وأن تغيير مدرب بآخر سيحدث ثورة كروية كبيرة تصطحبها النتائج والإنجازات، دون الرجوع إلى نقطة الصفر ودراسة الوضعية التي آلت إليها كرة القدم في بلادنا، ليس على مستوى المنتخب الأول فقط، بل حتى على مستوى الأندية في وقت دخلنا فيه عالم الاحتراف، لكن على الطريقة الجزائرية، وتعودنا دائما على التسرع في إيجاد الحلول بعد كل نكسة أو هزيمة ثقيلة بإقالة مدرب والبحث عن خليفته، لكن إن طلب منا البحث عن سبب الداء الذي يفتك بمستقبل كرتنا نطبق سرعة السلحفاة. البطولة عماد المنتخب من الأمور المؤسفة والتي شاركت بنسبة كبيرة فيما يحدث اليوم بمنظومتنا الكروية عدم تطبيق الاحتراف على أسسه الصحيحة في أنديتنا، وكذا على مستوى منتخباتنا الوطنية، فعامل الاستقرار الفني والإداري مفقود في أنديتنا، فكل ناد من أنديتنا غيّر على الأقل خلال هذا الموسم مدربين ورحلت مجموعة من المسيّرين وجاء آخرون لسد الفراغ والبحث عن الشهرة المجانية لا غير دون العمل على إنقاذ أنديتهم أو تطويرها والأمثلة كثيرة والبداية من عميد الأندية مولودية الجزائر، الذي لا تمر سنة إلا وكانت حافلة بالمشاكل والمتاعب ونفس الأمر ينطبق على وفاق سطيف الذي حطّم كل الأرقام القياسية من عدد المدرّبين إلى حالة اللانضباط مرورا بمولودية وهران واتحاد عنابة ...الخ ، وإن كان هذا حال أنديتنا فكيف سيكون حال منتخبنا، أكيد سيكون أكثر لأن الأندية المحلية ببساطة هي عماد الخضر ولا يمكن الحصول على منتخب قوي ببطولة ضعيفة. ضرورة عدم حرق المراحل النقطة الثانية المهمة والتي تعتبر من أبرز ما تعانيه كرتنا وتسببت في الكوارث التي يعيشها الخضر وحتى بقية المنتخبات هي العمل القاعدي باستثناء معهد أو معهدين يعتمدان على تكوين اللاعبين الشبان فإن معظم الأندية أصبحت تعتمد على إخراج سجل “الاستيراد والتصدير” دون أي مشكلة، وهو ما جعل سوق انتقال اللاعبين يضرب أرقاما خيالية ، حتى تلك الأندية التي تتباهى بامتلاكها مراكز تكوين تطبق سياسة الكيل بمكيالين مع اللاعبين الشبان وتحرمهم حتى من ربع راتب شهري ليحول مباشرة إلى لاعبين نجوم على الورق فقط والأمثلة كثيرة يكفي أن نذكر قصة نجم الأهلي المصري أمير سعيود مع نادي وفاق سطيف. النظرة بالعين الضريرة للاعب المحلي أما النقطة الثالثة المهمة، والتي عملت على إحداث فجوة كبيرة على مستوى المنتخب الوطني ووضعت كل المدربين في ورطة حقيقية هي اللاعب المحلي وتراجع مستواه وعدم تألقه كما كانت في عهد النجوم السابقين (بلومي، ماجر، تاسفاوت ومصابيح“ ، ومع كل مباراة أو تربص تحدث ضجة كبيرة حول عدم استدعاء اللاعبين المحليين، والتبريرات دائما تكون اللاعب المحترف أكثر جاهزية والأحسن دون البحث عن السبب الحقيقي، أو حتى إيجاد الحلول لإعادة هيبة اللاعب المحلي، لأن المشكلة ليست في اللاعب أو المدرب بل في القرارات الارتجالية على مستوى هيئتنا ونحن البلد الوحيد الذي تنطلق فيه البطولة مبكرا وتنتهي متأخرة وفترة التوقفات لا تعرف نهاية. عندما تغيب المحاسبة... أما لب الموضوع والذي يقلق الكثيرين في عالمنا الكروي هو المحاسبة والصرامة من قبل الجهات المختصة على تسيير كرتنا المستديرة، خاصة وأن أنديتنا اليوم أصبحت محترفة، وميزانيتها تفوق الملايير والملايير، والنتائج لا تعدو أن تكون واحد بالمائة بالنظر إلى الإمكانيات الكبيرة التي وفرت لهم، والأكثر من ذلك مع نهاية كل موسم كروي إلا وكانت هناك مشاكل لا حصر لها مع اللاعبين الذين يؤكدون دائما عن عدم تلقيهم لمستحقاتهم، وحتى أبسط العمال يكونون ضحية لسوء التسيير ولا نتكلم عن الشبان لأنهم “محقورين” بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. متى تستوعب الدروس؟ في الأخير، هذه الأسباب والحقائق التي دفعت وأوصلت كرتنا إلى المرض والتعفن دون تحرك أو بعبارة أخرى هذا هو الداء الذي لازمنا منذ سنوات، لم نتطرق إليه وتعمدنا واخترنا العلاج الظرفي والمؤقت وهو التضحية بالمدربين وإبعاد اللاعبين المسنين حتى نواصل سياسة الهروب إلى الأمام، وبعد كل هذا والدرس الذي لقنه لنا المغاربة هل سنستفيد منه ونستيقظ من سباتنا ونعود إلى نقطة الصفر ونضع النقاط على الحروف وندرس الداء جيّدا لنجد الدواء اللازم الذي يعيد البريق والتألق لكرتنا ليس فقط على مستوى المنتخبات، بل على مستوى الأندية أيضا.