الزمْ حمية النّدم على سوء فعالك، والحزن على ما فاتك من الطاعات، وعلى ما فرطت في جنب الله، واجعل الموت نصب عينيك، وانظر كيف تلقى مولاك، وعلى أي حال. فإن ذلك يجعل قلبك منكسرا لقلة العمل والتقوى والحق تعالى عند المنكسرة قلوبهم، كما جاء عن المولى في حديثه القدسي، وكيف تفرح بفعالك أو لبعض الطاعات وأنت تخلط بالقربات المنهيات وبالطيبات المحرّمات كأنك أنت الآمر والمأمور، فتقابل إحسانه بالعصيان وفضله بالخذلان، فمن أي نوع معدنك؟؟ ومن ينصرك إذا أتى موعدك؟؟ ومن يجادل عنك يوم يضرب بين أهل الغواية والهداية بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب، فتخدع الناس بزهدك وأنت للشح مطيع وتنصح الناس وأنت مقيد بالأغلال وترفع صوتك عاليا بأفصح لسان على منابر أقيمت للعلم الشريف الذي يحتويه صدرك، وحالك مخالف لمقالك. كيف ونفسك مغشاة بالأدران تؤُم الناس على غير طهارة وتشدد على المأموم إن نسي مندوبا، وتزجره إن أتى بمكروه، ثم ترى نفسك بريئا : ”ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا” (سورة النساء 112). ومع ذلك تُسوفُ التوبة وتتغذى بالغيبة. ألا تعلم أن صاحب النميمة يعذب في حفرته، ومن مات على الإخلاص ينعم في رمسه؟؟ فمن أي نوع معدنك؟؟ فكل معدن لا يقوى على حر النيران، فيستحيل إلى سائل، تصنع به ما تشاء إلا معدنك فلا يتأثر بقوله تعالى:”وإن منكم إلاّ واردها كان على ربك حتما مقضيا” (سورة مريم 71)، كأنه في استعداد على خوض لهيب جهنم وبئس القرار، فهذا هو عين الجنون وحال كل مفتون ! ! !