في زاوية صغيرة داخل بيته الذي لا يتسع سوى للوحاته ببرج الكيفان، يعكف مجادي رابح على تجسيد إبداعاته الزيتية بريشة الفنان العاشق للرسم، هواية تمكّنت منه في سن مبكرة جدا وتعايش معها الرسام العصامي التكوين فترة تفوق الخمسين سنة الفن يقتحم كل أشكال المسكوت عنه لم يكن فناننا التشكيلي منشدًّا إلى عمل فني يأكل من ورائه الخبز، كما هو حال بعض الفنانين، فجميع لوحاته هي منتوج سنين غابرة تعود به في كثير من الأوقات إلى مرحلة الطفولة التي تكبّد فيها عناء العيش من معايشة الاحتلال الفرنسي، في حوار غير متناهي بين الإنسان والتاريخ وبين التاريخ والواقع المعيش، لأنه لا يهدف إلى أن تعبر اللوحة فقط عن المرئي بل أيضا عن المخفي والمتواري الذي لا تراه العين، وربما تراه ولا تعبّر عنه، فأراد مجادي أن يقتحم كل أشكال المسكوت عنه ويكشف بعين تشكيلية نقدية عن زيف هذا الازدواج. في مراحله الأولى، كان يعرض أعماله على أصدقائه والمقربين منه الذين اكتشفوا فيه الفنّان المبدع وساعدوه على عرض أعماله في عديد المعارض التي أقيمت داخل الوطن، وبالرغم من أنه لم يحصل على أي جائزة، غير أن الحقيقة أنه لم يسع إلى ذلك لأن مشاركاته كانت محدودة بالمعارض التي نظمتها الجامعات الجزائرية أثناء إحيائها لمختلف المناسبات من كلية الحقوق بالعاصمة الى جامعة باب الزوار، وسطيف بمناسبة ذكرى الثامن من ماي 1945، وبجامعة منتوري بقسنطينة وغيرها وكلها مناسبات تاريخية وثورية. طاقة السلب تمنح للعمل الفني أصالته لا يؤمن مجادي بلوحة ترسم من أجل المتعة والديكور حيث تزدحم الألوان والحركات والإضاءة، لتنقل محاكاة مشوّهة عن واقع هو دائما غير قابل للإمساك به؛ وإنما تستهويه لوحة تؤسّس موضوعها الخاص وتبني رموزها ويمتزج فيها الأسلوب بالبناء في اللاّتمايز الذي ينفتح على تأويلات شتى، كما يرفض أن يعبّر اللون عن الحركة في لوحاته لأن اللون حسبه تعبير عن واقع السكون الذي تعيشه ثقافتنا، لذلك لا نجد في إبداعاته امتيازا لأي لون بل تتبادل ألوانه الأدوار لتعبّر عن اهتماماته الواسعة بالتاريخ أولا وبمواضيع أخرى، منجذبا إلى نداء داخلي ضد الزيف والحطّ من قيمة المبدع الجزائري، بالإضافة إلى اهتمامه باكتشاف كل التبادل الممكن بينه وبين الحقائق التاريخية ورفع الحجاب عنها، لأن طاقة السلب قد تمنح للعمل الفني كل أصالته المفقودة. لم يلق الفنان العصامي أي مبادرة إعانة لإيصال فنه للمهتمين ما عدا بعض العروض السابقة على غرار ما عرض عليه من طرف السيد "قباني" المدير السابق لمؤسسة "جيزي" الذي عرض عليه المشاركة بحوالي 30 لوحة في دول عربية، ولظروف خاصة لم يتم المشروع. كما اقترح عليه المدير العام لفندق المطار بعرض إبداعاته في بهو الفندق لتمكين الزوّار من التعرّف عليها قصد تسويقها. ولهذه الأسباب وغيرها لم يبق لرابح خيار سوى التفكير في عرض لوحاته عبر الأنترنت لتمكين شرائح كبيرة من الجمهور من التعرّف على لوحاته ومحاكاة إبداعاته. وقد نجح سنة 1990 في تحقيق حلم حياته بإنشاء ورشته الخاصة المتواجدة في السفينة المحطمة ببرج الكيفان وفي أجندته مشروع زواج شهر نوفمبر القادم بعد أن عثر على شريكة الحياة التي قبلت مشاركته مع الفن الزيتي.