الجزائر تقدم للجمعية الفرنسية وعودا بالإصلاحات.. ويتم ذلك على لسان وزير الخارجية.. هذه مسألة عادية وغير عادية أيضا.. عادية حين يتم الأمر وفق منطق إعلام دولة لدولة أخرى عما تفعله في بلدها سواء كان الأمر من باب الإحاطة بالعلم أو من قبيل الدعاية السياسية والديبلوماسية للحكم ولكن لا يعد الأمر عاديا إذا تم من باب الرعب السياسي وخشية أن يحدث للجزائر ما حدث لجيرانها ليبيا وتونس.. ويزهر "الربيع الديمقراطي" ويخرج أزهارا سوداء قاتمة.. من منطق المثل القائل: "إذا حفف جارك فبلّ أنت رأسك"! ومن حق الجزائر أن تخاف وتحتاط لأن الأمر هنا لا يستهدف تغيير النظام بل يستهدف أساسا الاستيلاء على كموسة الاحتياطي النقدي المودع في البنوك الغربية! والعالم الغربي يعيش أزمة في العمق الاقتصادي ويريد هذه الكموسة في هذا الظرف بالذات سواء بإرادة الجزائر أو بغير إرادتها! وخصوصا بغير إرادتها.. فمن الممكن أن يجد معتوها سياسيا في الجزائر يخرج إلى الشارع ليطالب الغرب بوضع اليد على الكموسة المودعة لديه إلى حين قيام حكم شرعي في البلاد! وليس هذا من قبيل التخمين بل هي الحقيقة التي تدور حولنا هذه الأيام.. نكاد نراها ولا نكترث بها! الأفغنة في ليبيا قائمة على قدم وساق.. وطائرات الناطو بدون طيار التي منعتها الجزائر من التحليق في سماء جنوبنا تريد أن تبسكن الجزائر بحجة ملاحقة فلول القذافي فوق أراضينا.. تماما مثلما يلاحق الناتو فلول الطالبان داخل باكستان! أصوات عديدة في الغرب وفي ليبيا وفي الجامعة العربية التي تحولت إلى عبرية بامتياز تروج إلى مقاربة تشبه فيها موقف الجزائر من المسألة الليبية بموقف باكستان من الطالبان في أفغانستان! ولم يبق فقط إلا اعتيار عائشة القذافي المقيمة في الجزائر بمثابة إقامة بن لادن في بلاد باكستان ويجب استخدام الطائرات بدون طيار لكشف مكانها في الجزائر؟! نعم إصلاحات مدلسي التي عرضها على الجمعية الفرنسية يمكن أن ترفع ذريعة ولكنها لا تحل المشكلة.. لأن الحل لمشكلة الجزائر ليس في تسويق إصلاحات إلى الجمعية الفرنسية بل هي أساسا في تسويق هذه الإصلاحات في الداخل.. أي إقناع الشعب الجزائري بأن هذه الإصلاحات حقيقية وفعالة وبإمكانها أن تحقق هدف بسط سلطة الشعب على مراقبة وانتخاب ومحاسبة الحكومة ومؤسسات الدولة.. هذا هو المطلوب!