عقوق الأفلانيين، تستّر الأرنديين، انفلات الحمسيين وتراشق في بيت الأفانا استشرى داء الانقلابات والحركات التقويمية وشق عصا الطاعة عن القيادة بالأحزاب السياسية الجزائرية لدرجة أصبحت فيها الظاهرة قاعدة لا استثناء، ولم ينج منها حتى أصحاب “ الكاريزما”، لتغرق الأحزاب في مشاكلها الداخلية بدلا من تنمية برامجها والتموقع أكثر بالخارطة السياسية بما يخدم المواطن. ظاهرة يؤكد السياسيون أنها ليست حكرا على الجزائر فقط، بل سمة الأحزاب السياسية في كل بلدان العالم، لكن بالجزائر أخذت منحى آخر، لدرجة أن بعض التشكيلات السياسية بدأت بها تقويميات قبل ميلادها، ظاهرة عانى منها كثيرا الحزب العتيد ولعنة طاردت بشكل لافت الشيخ عبد الله جاب في كل مرة يؤسس فيها حزبا، ولم تنج منها حركة مجتمع السلم بعد إعلان عبد المجيد مناصرة عن مولود جديد، ولم ينج منها حتى الارندي المعروف بصرامة أمينه العام أحمد أويحيى، لتمتد إلى باقي التشكيلات السياسية. حاولنا استطلاع رأي أكثر الأحزاب التي عانت من ويلات الظاهرة في ظاهرة قديمة-جديدة، يقول البعض إنها أداة لتكسير الأحزاب وتقزيمها والبعض الآخر حرب مواقع تبدأ مع الاستحقاقات. الآفلان.. “التقويميات صراع كراس لا صراع أفكار” قال المكلف بالإعلام بحزب جبهة التحرير الوطني، قاسة عيسى، في اتصال مع “الفجر”، إن الظاهرة تعكس حرب المواقع والرغبة في الحصول على المناصب ولا علاقة لها بالصراع الإيديولوجي أو اختلاف وجهات النظر، نافيا أن تكون حالة صحية تستوجبها الحياة الديمقراطية، كما يحاول البعض إيهام الرأي العام، والدليل أن المنشقين لا يملكون برامج تخالف قيادات أحزابهم. وأكد المكلف بالإعلام بالحزب العتيد أن الظاهرة أصبحت تطال حتى الأحزاب التي لم تعتمد بعد، ما يعكس الرغبة الكبيرة في الحصول على المناصب، مشيرا إلى أن الطرح السياسي غائب عند التقويميين. وأضاف قاسة عيسى ل”الفجر”، أن الآفلان من أكثر الأحزاب التي عانت من الظاهرة على مر السنين، وما يعيشه اليوم أكبر دليل خاصة مع الثقل السياسي للحزب دفع ثمنه غاليا، فزيادة على التقويمية، التي يتزعمها صالح كوجيل، برزت حركة شبانية جديدة تسمى “الصحوة” لا وجود لها إلا على “النت”. ويعتبر الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عبد العزيز بلخادم، أن التقويمية داخل بيته ظاهرة صحية أمام تزايد عدد المناضلين. الأرندي.. صرامة “بوشلاغم” مكنته من احتواء الوضع يعتبر التجمع الوطني الديمقراطي أقوى حزب سياسي شاب، صار بين عشية وضحاها الغريم الأول للأفلان، ورغم أن الأخير لم يخلق الاستثناء في شق بعض القيادات لعصا الطاعة، كما حدث ببعض الولايات مؤخرا، أين غادر عدد من إطارات الحزب بيتهم إلى تنظيمات سياسية أخرى، غير أنه تمكن من تجاوز العواصف بسلام بفضل الحنكة الكبيرة التي يتمتع بها أمينه العام أحمد أويحيي في فرض الانضباط والالتزام الداخلي ومن قرر الرحيل وإنشاء تنظيم سياسي جديد خرج بدون زوابع كبيرة، كما هو الحال مع الطاهر بن بعيبش. وقال مصدر من الأرندي ل”الفجر” إن المناضلين يحسبون ألف حساب لأفعالهم قبل الإقدام على أي تصرف غير مسؤول يستفز “الرجل الأول في الأرندي، الذي لا يتسامح مطلقا مع الأخطاء التي تمس بالحزب”، مشيرا إلى أن “النزاعات الداخلية بين المناضلين موجودة، لكن في حدود ولا يمكن لأحد أن يفكر في أن يجعل من “بوشلاغم” كما يلقبونه “ندا”، مضيفا “أن رحيل بعض الإطارات إلى أحزاب أخرى ظاهرة صحية وتنم عن الأجواء الديمقراطية داخل البيت”. حمس.. “فقدان المناعة الداخلية للحزب تسهل الاختراق الخارجي” يرى رئيس حركة مجتمع السلم، أبوجرة سلطاني، في اتصال مع “الفجر” أن الانشقاق داخل الحزب السياسي يعود لعاملين أساسيين، إما لتمسك رئيس الحزب بمنصبه ليصبح هو المؤسسات الحزبية” وهو الآمر والناهي” وفي حال ثار الجيل السياسي الجديد يتهمه بالانحراف، أما السبب الثاني، حسب ذات المتحدث، فيكمن في غياب أدوات قانونية وتشريعية تعنى بالتثقيف والتوجيه للحفاظ على عدم الخروج عن الخط العام للحزب. وأكد سلطاني أن ضعف المناعة الداخلية للحزب تشجع على اختراقه خارجيا من أجل تحطيمه. وأضاف ذات المتحدث أن المحيط السياسي في الجزائر “مازالت تسيره ثقافة الإدارة والكثير من المناضلين يريدون تحويل أحزابهم إلى وسائل للتمكين لأنفسهم” وانتشرت بشكل كبير مع غياب الانضباط الحزبي الذي يلزم بالامتثال للقرارات المنبثقة عن المؤسسات لا الأشخاص، مضيفا أن الأحزاب السياسية في الجزائر لا تناضل من أجل التداول على السلطة، بل لتحسين رصيدها الانتخابي “لأن آفاق المستقبل مسدودة”. الشيخ جاب الله.. تجربة مريرة مع الانقلابات والأمل مازال يعتبر الشيخ عبد الله جاب الله، من الشخصيات السياسية التي ذاقت مرارة التمرد أكثر من مرة، وعلى خلاف ما يحدث داخل باقي الأحزاب السياسية التي طالتها الانشقاقات، يضطر في كل مرة هو للخروج وترك الجمل بما حمل، ورغم ذلك لم يفقد الأمل وعاد إلى السياسية بمولود جديد ينتظر اعتماده قبل تشريعيات العام المقبل، وكله أمل في أن تهب نسمات فوز الإسلاميين في باقي البلدان على الجزائر لقيادة البلاد والعباد. حاولنا الاتصال بالشيخ عبد الله جاب الله، رئيس حزب العدالة والتنمية، قيد التأسيس، لأخذ انطباعاته عن الظاهرة، خصوصا وأن تجربته طويلة لكنه اعتذر عن الإدلاء بأي تصريحات إلا بعد اعتماد حزبه الجديد، كما اعتذر جهيد يونسي، القيادي في حركة الإصلاح الوطني. التشريعيات تفجر بيت موسى تواتي صعدت تقويمية الأفانا لهجتها مع اقتراب تشريعيات 2012 ضد رئيس حزب الجبهة الوطنية، موسى تواتي، لدرجة اتهامه ب “الجوسسة والخيانة” والسعي إلى إسقاط نظام الحكم في الجزائر وتشكيل مجلس انتقالي في الجزائر على غرار ما حدث في ليبيا، ليجد مرشح رئاسيات 2009 نفسه يصارع على جبهتين، التحضير للاستحقاقات المقبلة والتموقع أكثر بالساحة السياسية من جهة ومواجهة التقويميين وخصومه من جهة أخرى. ظاهرة يؤكد السياسيون أنها عالمية وليست حكرا على بلد بعينه، خاصة في الأحزاب العتيدة، التي تخرج من رحمها تنظيمات سياسية جديدة، لكن في الجزائر أخذت منحى آخر، خاصة للتشكيلات السياسية الصغيرة التي تبحث عن مواقع نفوذ، لتنشغل بمشاكلها الداخلية وتنصرف عن تنمية برامجها والبحث عن حلول لانشغالات المواطن لرفع رصيدها في بورصة الانتخابات.