قراءة في كتاب “نحن والعقيد، صعود وسقوط معمر القذافي” لمحي الدين عميمور الصورة والكتاب والقلم، وأوراق الجرائد، ظل الربيع العربي الذي دفع بالرئيس التونسي زين العابدين بن على نحو الهروب والرئيس المصري السابق حسني مبارك إلى التنحي بينما نزل أتباعه ضيوفا تاريخيين على غرف سجن طره بالعاصمة المصرية القاهرة، ثم رحيل القذافي الذي لا يزال دمه ملطخا بالدماء.. ومن هناك كانت الحكاية. بإنصاف شديد وتوازن في طرح الموضوع الأكثر “جدلا” في هذا العام الذي يقترب من أن يلملم أيامه، بعد أن شغلنا بكبرياء فاق الحدود وهو يسرد حكايات الزعماء والشعوب العربية، كلما اشتدت الأخبار، وهو الحرص الذي اتسم به أسلوب الدكتور محي الدين عميمور في كتابه الجديد “نحن والعقيد، صعود وسقوط معمر القذافي” الذي يتناول فيه بانوراما حياة القذافي من زاوية مختلفة أهمها تلك التي عايشها عميمور بحقيبته الدبلوماسية بين الجزائر وليبيا عندما كان يشغل منصب المكلف بالإعلام في ديوان الرئيس في عهد كل من الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد وقبله الراحل هواري بومدين، ورغم حساسية التوازن في طرح مثل هذه المواضيع التي لم تتهيأ لها مشاعر الشعوب العربية في ربيعها، إلا أننا نلمس احترام كتاب “نحن والعقيد” لحرمة التاريخ من خلال عدم الانسياق وراء المشاعر الجارفة، حيث أعطى للحقيقة قدرا كبيرا من البلاغة للصورة التي عز نظيرها في نقل المشهد البعيد عنا والقريب تاريخيا وجغرافيا. المشهد كان له زاوية واحدة طيلة التسعة أشهر من الحرب في ليبيا التي لم تنته رغم نهاية القذافي، وهنا نعود إلى الصفحات الأولى لكتاب عميمور الذي طرح في مقدمته سؤال محترما “أين الحقيقة؟” فعندما يغرق العالم بفكره وعقله ببصره وبصيرته في شاشة واحدة بحجم “جزيرة” لم يكن هناك من بد سوى العودة إلى سؤال عميق عمره 42 سنة، هل كان القذافي بحق رائد نضال يعبر عن أمة أم مستنقع أفكار استطاعت اغتصاب أمة ردحا من الزمان، ونجد في كتاب “نحن والعقيد” عدة شهادات احترام للقراء وجهها الكاتب عميمور أهمها من وجهة نظري تلك التي يقول فيها: “أعترف أن هناك أمورا لن أستطيع التعرض لها مطلقا سواء لأنني لم أكن شاهدا مباشرا على حدوثها أو لأنني لا أملك لها وثائق كافية”، وهي شهادة دفعتني أنا شخصيا للمضي نحو تصفح ال600 صفحة للكتاب وأنا أشعر بأمان خصوصا لأنني افتقرت لتك الشهادات وأنا أحاول أن أستجمع بعضا من تفاصيل المشهد التائهة عن السيناريو الليبي رغم أنني كنت أتابعه بعناية كل يوم بحكم المهنة والاندفاع وحتى الفضول أحيانا. .. حتى السقوط من أين يأتي الدكتاتوريون العرب بكل هؤلاء ممن يرقصون على الجراح ويخرجون للتغني ثم ينقلبون عليهم في أول محطة عندما يجتمع الشعوب عند المشاكل التي تعصف بهم من كل حدب وصوب؟.. من هنا نفهم كيف سقط القذافي الذي حاول أن يكون عبد الناصر الجديد ففشل، وملك ملوك إفريقيا فلم ينج من أسود غابات إفريقيا، وقائدا إسلاميا لم يتحقق، وقد ترسخت حقيقة واحدة في جدران شوارع ليبيا.. صورة واحدة بعنوان “الدكتاتور”، سقط القذافي بروايات كثيرة وهي ما سرده الكتاب تباعا، وإن أقرن الحقيقة بالدور الأجنبي الذي لم يعد يرى في القذافي مصلحة ولا يعتقد أن من بقائه فائدة ترجى. الغرب الذي لا يضع مادة في تستره إلا ويسبقها بمصلحة، تحمل عبء سقوط القذافي الذي كلف الناتو ملايين الدولارات بعد تبني ثورة 17 فبراير التي انطلقت من مدينة بنغازي فمات بعدها العقيد شر ميتة، كما يؤكد الكتاب على حقيقة دور الاستخبارات الأمريكية والفرنسية في تحريك خيوط الشبكة التي وقع فيها القذافي. عندما هانت بلد الشهداء على “ثوار آخر زمان” يسرد كتاب “نحن والعقيد” كيف فشل أعضاء الانتقالي الليبي في تقديم أبسط دليل يثبت “مزاعمهم” التي تشدق بها الأحياء منهم والأموات بإدانة الجزائر في قضية “غبية” أبعد من أن تنزل إليها الجزائر التي لها مجد “الثورات”، وبقدر ما تمكن أعضاء المجلس الانتقالي الليبي من الاقتراب من تشويه صورة الجزائر في المنابر الإعلامية “المتلهفة” للإثارة بنكهة الانتقام من الجزائر، لرفضها تمرير سيناريو العراق والصومال وأفغانستان في ليبيا، ويحكي “نحن والعقيد” سخرية القدر كيف استمر عجز المؤامرة الإعلامية ضد الجزائر حتى إلى ما بعد سقوط القذافي وهو الحيز الزماني الذي توعد “ثوار ليبيا” بفضح الجزائر وإخراج الأدلة ضد الجزائر، ولأن التاريخ يؤكد أن أشد عقاب يؤلم الساخرين هو السخرية عليهم، فقد كتب عميمور يقول: “كم كنت أتمنى أن يقدم “الثوار” أدنى دليل على تورط الجزائر فسأكون أول من ينادي بسقوط النظام الجزائري”، كما يسرد الكتاب كرونولوجيا تصريحات كبار المسؤئولين في الناتو وقادة الأفريكوم والأمم المتحدة تنفي ما تحدث عنه المجلس الانتقالي الليبي حول تورط الجزائر في المشهد الليبي وتؤكد أنها مجرد ادعاءات ومحض افتراء. في بحر تداعيات الأزمة الليبية على الجزائر يكشف الكتاب ملامح الخطر الحقيقي للأزمة الليبية وتداعياتها، فبكثير من القلق الذي تصنعه الأوضاع التي تمر بها الجزائر سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية، فالأزمة الليبية تحمل في طياتها “قنبلة” أخرى ضد الجزائر سواء من الناحية الأمنية أو محاولة تمرير السيناريو الليبي في الجزائر، فالانفجار في الجزائر يحمل مخاوف زواياها حادة “كالسيف“ تستقي حدتها من غياب النخبة القادرة على ضمان سلامة الحراك الشعبي وتحتضن التغيير “بهدوء” خصوصا وأن المعارضة في الجزائر قد فقدت جمالها و”بهائها”، بعد أن أصبحت قبلة لكل للمندسين عن الوطنية الجزائر وقد أصابها صداع الكولوني الحديث، ما يجعل المواطن البسيط رهن “قفة الخبز”، كما حدث في تظاهرة 12 فيفري التي فشلت في أن تكون “وطنية” فهجرها المواطن الجزائري فكانت بذلك دعوة غير مباشرة لعدم التظاهر، لذا فضرورة البحث عن أبواب أكثر مصداقية يتوهج عندها الشعب الجزائري بات هذا الأمر مهم يضمن للبسطاء حقوقهم وللوطن سلامته ويؤمن عدم تسلل المندسين بأجندات أجنبية، فالبحث عن المثقف المبدع هو صمام أمان الثورات عبر العقود. ويمتد تحليل الأوضاع في الجزائر من وجهة نظر الكتاب نحو التوقف عن قليل من العتاب على الموقف الجزائري “المتحجر” تجاه الأزمة الليبية، حيث كان يجب اتخاذ موقف أكثر تطورا من الأزمة المحورية بحكم أن سقطت بقرار أممي رقم 1973 على حدود الجزائرالشرقية وهو أمر كان يجب أن يحسب له مليون حساب وليس فقط 5 آلاف جندي إضافيين على الحدود. ما لم يقله “الكتاب” أتمنى أن يتسع صدر الكاتب لبعض الملاحظات النقدية وهي أقصى ما استطعت رصده رغم تمعني “الشديد” في صفحات الكتاب، أقول: - الكتاب حمل عنوان “سقوط” لكن تاريخ طبعه كان قبل رحيل القذافي عن الحياة مقتولا، وهو ما اعتبرته حكما مسبقا ربما كان الأجدر انتظار اللحظة الحتمية التي لم يكن لينجو منها القذافي بالطبع. - في حرب ليبيا كان لسيف الإسلام نجل القذافي، وعائشة المتواجدة في الجزائر دور كبير في تحريك خيوط المشاهد الإعلامية، ألا يتفق معي الدكتور عندما أقول أنه لو منح “نحن والعقيد” زاوية أكبر لسيف الإسلام لاكتملت الصورة وانسجم السرد، خصوصا وأن العنوان يحمل ضمير الجمع رغم غيابه عن القذافي؟ صحيح أن إعطاء القارئ مساحة ليرتحل بنفسه في فكر سيف الإسلام من خلال حواره مع واشنطن بوست والذي سرده في الكتاب إلا أن رأي الكتاب أيضا كان يهمنا. - لماذا تصف من هاجموا السفارة الجزائرية في ليبيا بأنهم كانوا “مجموعة طفيلية” والمجرم له عنوان أكثر وضوحا؟ - في الصفحة 600، العبارة التالية: “إذا كان الجيش الوطني حسم الأمر في مصر وتونس فإنه لم يستطع القيام بذلك في بلدان أخرى”.. الجملة بحاجة إلى تعديل أو توضيح أو استرسال فالمهمة لم تكتمل.