ظل وزير الصحة، جمال ولد عبّاس، يغرّد خارج السرب في القطاع الذي يشرف على تسييره، طيلة السنة المنقضية، حيث يرى متابعون للشأن الصحي بالبلد أن الوزير؛ لو عمل على تسيير قطاعه بالشكل الذي عمل فيه على الظهور في وسائل الإعلام، لكان قطاع الصحة من أرقى قطاعات حكومة أويحيى.. ترى نقابات قطاع الصحة أن غياب الحوار الجدي والصرامة في معالجة الملفات العالقة ومطالب موظفي مختلف الأسلاك في الدائرة الوزارية طبع عام 2011، وهي سنة مرت كسابقتها لتبقى الوزارة مجرد صندوق بريد يستقبل الشكاوى. الأخصائيون النفسانيون..”إنجازات وهمية” انتقدت النقابة الوطنية الجزائرية للأخصائيين النفسانيين، أداء وزير الصحة والسكان، جمال ولد عباس، بشدة، وأكدت أنه لم يترك بصمة إيجابية في القطاع منذ توليه تسيير زمام الملفات العالقة، وكل ما استفاد منه الموظفون على اختلاف أسلاكهم يدخل في عمل الحكومة، كالقوانين الأساسية، والأنظمة التعويضية. حيث قال رئيس النقابة الدكتور كداد خالد:”الوزير لم يأت بالجديد، مع تفاقم المشاكل القديمة، خاصة ندرة الأدوية، وما يدعو للاستغراب هو تباهي الوزير بإنجازات وهمية لا وجود لها على أرض الواقع، والشريك الاجتماعي دائما مضطرب وشكواه مستمرة، حتى المريض يعاني في المستشفيات”. وتابع كلامه:”إذا غادر الوزير أو أُقيل فإنه لم يترك شيئا نتذكره به”. ممارسو الصحة العمومية..”نريد المضمون يا السي جمال” بدورها اعتبرت النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية، الطريقة المنتهجة من قبل وزارة الصحة في معالجة الملفات والمشاكل العالقة للموظفين، تهتم بالإطار بدل المضمون الذي لايزال غائبا حتى الآن. وقال رئيس النقابة، الدكتور الياس مرابط، ل”الفجر”:”منذ أن اعتلى الوزير تسيير القطاع على مدار سنة ونصف كاملة لم نلمس من خلال عمله أي جديد، فحتى القانون الأساسي والنظام التعويضي هو ترجمة للسياسة العامة للحكومة، رغم أن الوافد الجديد لمبنى “المدنية” كان يؤكد على الآجال في تسوية مطالب الموظفين. وكما يبدو فإن هذا الأخير يفضل العمل في حلقة مفرغة تنحصر في برمجة الحوار من أجل الحوار فقط”. عمال الشبه الطبي..”لم يطبق من القانون الأساسي سوى 50 بالمائة” من جهتها أكدت نقابة عمال الشبه الطبي في تصريح لرئيسها، غاشي الوناس، أن تحقيق مطالب الموظفين تواجهه صعوبات، قائلا:”نحن لم نفهم حتى الآن لماذا تدفعنا الوزارة الوصية إلى الإضراب والاحتجاج، بدل فتح حوار جاد للتكفل بانشغالات موظفي السلك، الذين حتى وإن استفادوا من القانون الأساسي الخاص بهم بعد 3 سنوات من المطالبة به، فإن تطبيقه غير كامل منذ صدوره في ماي 2011، موضحا أن 50 بالمائة منه لم تتجسد في الميدان، أضف إلى ذلك النظام التعويضي الذي يبقى هو الآخر تجسيده متذبذبا، بسبب ممارسات مديريات الصحة المحلية. أخصائيو الصحة العمومية..”11 عاما من اللاإستقرار” ربطت نقابة الأخصائيين الممارسين في الصحة العمومية، عدم تسوية ملفات موظفي السلك ومشاكلهم لدى الوصاية، بعدم الاستقرار فيها بسبب تعاقب 7 وزراء على تسييرها في ظرف 11 سنة من (2000 -2011)، وهو ما أدى إلى نتائج سلبية. وقال رئيس النقابة الدكتور، يوسفي محمد، في تصريح ل”الفجر”، إن المشاكل التي يتخبط فيها القطاع جعلت العديد من المهنيين والمقدر عددهم خلال العام الجاري ب2000 أخصائي نحو المستشفيات الجامعية بعد اجتيازهم للمسابقات، ومنهم من اختار القطاع الخاص نظرا للتحفيزات والإمتيازات والاستقرار الذي وجدوه هناك، فيما فضلت فئة أخرى مغادرة الوطن واختيار الضفة الأخرى من المتوسط، وهو ما يدل على هشاشة السياسة الحالية المنتهجة في تسيير القطاع من قبل مسؤولي الدائرة الوزارية، والخاسر الأكبر هو المواطن المريض الذي انتزع منه حق دستوري يتمثل في العلاج في ظروف جيدة. كما أن غياب الاستثمار في الموارد البشرية عجّل بتدني الخدمات الصحية المقدمة للمرضى، بالرغم من توفير العتاد والتجهيزات الطبية الحديثة، وبعبارة أخرى كل ما وفرته وزارة الصحة في الجانب التقني اللوجيستيكي فشل أمام غياب الاهتمام بالعنصر البشري الذي هو المؤثر. أعوان التخدير والإنعاش..”الوزارة لم تأخذ بمقترحاتنا في إعداد القانون الخاص” عبّرت النقابة الوطنية لأعوان التخدير والإنعاش عن استيائها من عدم إشراكها في إعداد القانون الخاص بها، حيث انفردت الوزارة في إعداده ولم تأخذ بالمقترحات التي قدمها ممثلو موظفي السلك، في غياب نقابة تدافع عن حقوقهم، بالرغم من لقاءات الحوار التي دعوا إليها.. لكن لا حياة لمن تنادي. واعتبر رئيس النقابة، بن طويل محمد، في تصريح ل”الفجر”، أنه في الوقت الحالي تهيكل أعوان التخدير والإنعاش ووتشكيلهم نقابة تابعة للمركزية النقابية هي من يتولى مواجهة تعنت الوزارة لتحقيق مطالبهم خلال العام القادم، حتى وإن ضاع منهم القانون الأساسي الذي صدر شهر ماي من العام الجاري.
هكذا عاش الجزائريون مأساتهم في قطاع الصحة خلال 2011 مستشفيات بلا أطباء.. مرضى بلا علاج وصيدليات بلا دواء افتكت “وزارة ولد عباس” مركزا متقدما في إجمالي التجاوزات الحاصلة في سنة 2011، فالإضرابات المتكررة حرمت المواطنين من حقهم في الصحة، وانقطاعات الدواء دمرت الأمل في الشفاء وجعلت المرضى يعيشون أوقاتا حرجة في حضرة وزارة الصحة وإصلاح المستشفيات. سجلت وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات العديد من الهفوات التي حسبت عليها خلال 2011، فالمعرج على حالها في مراحل مختلفة خلال السنة، يصدم بالعديد من التناقضات التي أفرغت هذا القطاع الحساس من خصوصيته وأسالت الكثير من الحبر طوال اثني عشر شهرا، وإن تفاوتت فيها التجاوزات من حيث مخلفاتها إلا أنها اشتركت في تدنيس قدسية هذا القطاع الحساس، وفيما يلي سنستعرض بعض المحطات التي أثارت الكثير من الجدل. نقص الأدوية في الصيدلية المركزية يحدث أزمة في الحكومة اتخذت المواجهة الصامتة والمتصاعدة مؤخرا بين الوزير الأول، أحمد أويحيى، ووزير الصحة، جمال ولد عباس، منحى سياسيا آخر، بعد أن أعلن ولد عباس أنه مستعد للمواجهة مع كثير من الأطراف بما فيها ‘'مافيا الدواء''، معتبرا رئيس الجمهورية هو الوحيد الذي من حقه محاسبته حول الوضع العام للصحة وأدائه الوزاري، وقال: ‘'أويحيى وزير أول معين من قبل رئيس الجمهورية، وأنا كذلك معين من قبل الرئيس بوتفليقة، هو مهمته كوزير أول التنسيق بين القطاعات الوزارية، وأنا مهمتي الإشراف على قطاع الصحة، هو له ورقة طريق محددة من قبل رئيس الجمهورية، وأنا مسؤوليتي الإشراف على قطاع الصحة، وأنا هنا لأتحمل مسؤولياتي كاملة''. وكشف وزير الصحة في آخر تصريحاته للصحافة أن ‘'التحقيقات في ملف استيراد الأدوية بينت وجود تضخيم في الفواتير بلغت قيمته 94 مليون دولار أمريكي، شملت 38 دواء مستوردا، لأن الملف قيد التحقيقات على مستوى الجمارك والعدالة''، كما وعد المتحدث بأن يكون قانون الصحة جاهزا خلال الثلاثي الأول من السنة المقبلة، مشيرا إلى أنه استشار كل الأطراف ومن يريد المشاركة وإبداء رأيه فليتفضل''. فضيحة مركز “بيار وماري كوري” في شهر مكافحة السرطان قامت إدارة المؤسسة الاستشفائية المتخصصة في مكافحة السرطان “بيار وماري كوري”، بتزييف الحقائق إثر الزيارة التفقدية التي قام بها وزير الصحة خلال شهر أكتوبر للاطمئنان على سير الأمور فيها، حيث أكد القائمون عليها أن المصلحة تشتغل ولم تتوقف أبدا، في حين أنها قامت بنزع اللافتة التي كتب عليها “مواعيد إجراء الأشعة مؤجلة إلى أجل غير مسمى” بعد أن سمعت بالزيارة المفاجئة، وكان من المفترض أن يتلقى 116 مريض العلاج بالأشعة في هذه المصلحة حسب المواعيد المسطرة. وفي هذا الإطار، لم يبد وزير الصحة أي رد فعل صارم ضد مسيري المصلحة، واكتفى بطمأنة المصابين بالسرطان بتلقي علاجهم بالأشعة خلال الأشهر القادمة رغم الاكتظاظ الذي تعاني منه هذه المؤسسة، نظرا لوجود ضغط كبير عليها، وأكد من جهة أخرى؛ أن الدولة خصصت الأموال اللازمة لاقتناء 57 جهازا للعلاج بالأشعة ستستفيد منه قريبا مختلف مناطق البلاد، وذلك لتقريب الصحة من المواطن والتخفيف من أعباء السفر وتخفيف الضغط عن المراكز الكبرى، لم تتضح معالم أي منها ونحن على مشارف سنة 2012، خاصة أن إحصائيات الوزارة تشير إلى تسجيل 40 ألف حالة جديدة كل سنة. شلل متقطع في المستشفيات سببه إضراب عمال القطاع شكل إضراب الأطباء خلال السنة المنصرمة نقطة سوداء في مسار الصحة في بلادنا، حيث تكررت الإضرابات الشاملة لعمال القطاع، بما فيهم الأطباء والشبه الطبي وحتى عمال الإدارة، الأمر الذي أدى إلى إلغاء آلاف العمليات الجراحية، ناهيك عن حرمان المواطنين من تلقي العلاجات.. حدث ذلك في ظل تطمينات الوزير في كل مرة بتسوية وضعية المضربين الذين شلوا حركة المراكز الاستشفائية لفترات طويلة. .. وندرة غير مسبوقة في لقاحات الأطفال شهدت أغلب المؤسسات الإستشفائية والمراكز الصحية عبر الوطن، نقصا حادا في اللقاحات الأساسية الإجبارية التي يحتاجها الأطفال الرضّع الذين تتراوح أعمارهم بين أسبوع وثلاثة أشهر، بهدف اكتسابهم مناعة ضد الإصابة بالأمراض، حيث واجه الأولياء صعوبة في تطعيم أبنائهم وفق الرزنامة الصحية، مست العديد من اللقاحات بينها لقاح “ب سي جي”، وهو ما أثار هلعا في صفوف الأولياء الذين وجدوا نفسهم مضطرين للبحث عن اللقاحات بأنفسهم. “استهتار” ولد عبّاس “يقتل” أبناء نرجس الثمانية لم يكن بإمكاننا السكوت عن التجاوز الخطير الذي حدث في حق السيدة نرجس حاليتي، التي فقدت أجّنتها الثمانية في مستشفى مصطفى باشا بالعاصمة جراء الإهمال الذي تعرضت له والذي جعلها أمام ضرورة إجراء عملية جراحية، تم فيها التخلص من الأجنة الذين ماتوا بعد ساعة من الولادة، في الوقت الذي أكدت طبيبتها الخاصة أن حالتها كانت تتطلب المتابعة في الخارج، أما ولد عباس وزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات فقد اكتفى بالتشكيك في أن تكون المرأة حاملا أصلا بسبعة أجنّة.. وكأننا نتحدث عن أمر مستحيل.