لم يستبعد الدكتور السعيد بركات وزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات، أي إمكانية لتصعيد اللهجة ضد الأطباء في حال أبقوا على إصرارهم في مواصلة الإضراب خاصة وأن قرار العدالة أقرّ بعدم شرعية الحركة الاحتجاجية، وقال إن مصالحه لا تزال تفضّل أسلوب الحوار ولم ترغب حتى الآن في اتخاذ الإجراءات التي قامت بها وزارة التربية الوطنية لوقف الإضراب في القطاع، وأكد في حديث خصّ به »صوت الأحرار« بأن عمال قطاع الصحة وخاصة الأطباء بمختلف مراتبهم حققوا الكثير من المكاسب التي يجب أن يفتخروا بها، دون أن ينفي أيضا وجود أطراف تقف وراء هذا الإضراب متمهما إياها بأنها لا تريد الخير للجزائر. س: سيادة الوزير، قطاعكم يعرف حركة احتجاجية غير مسبوقة وإضرابا استمر لأكثر من ثلاثة أشهر دون أن تنجح الإجراءات التي قامت بها وزارة الصحة في إعادة الأوضاع إلى سياقها الطبيعي أمام إصرار النقابات على شلّ المستشفيات، وهو أمر يثير الكثير من التساؤلات لأنه يتعلّق بصحة المواطنين، هل بالإمكان أن نفهم ما يجري بالضبط؟ ج: صحيح أن الإضراب طال، لكنه مهما طال فإن المستشفيات كانت شغالة طيلة هذه الأشهر سواء تعلق الأمر بقاعات العمليات أو الاستعجالات وغيرها من المصالح الأخرى، وأنا أستحي بهذه المناسبة أن أتحدث عن الإضراب بالنسب لأنني كنت آمل أن لا يضرب ولا طبيب واحد، وحتى في الدول المتقدمة فإن الطبيب عندما يكون مضربا فإنه يكتفي بوضع شارة في قميصه يقول فيها إنه في إضراب لكنه في المقابل يزاول مهامه بشكل عادي ودون أي مشكل. وفيما يتعلق بمطالب النقابات فإنها جوابها موجود في القانون الأساسي الذي يجدّد في كل القطاعات، والأطباء العامون نالوا الكثير والكثير والدليل أن الطبيب العام في وقت سابق كان في نفس الدرجة التي يبدأ فيها مشواره المهني ويبقى في الدرجة ذاتها عندما يكون في سن التقاعد، وسوف لن أبالغ في القول بأننا في وزارة الصحة خضنا معركة شرسة مع الوظيف العمومي من أجل الأطباء العامين وجعلنا من هؤلاء بعد خمس سنوات من الخدمة يرتقون بدرجة إضافية حتى يصلوا في نهاية الأمر إلى درجة يتلقون فيها راتبا شهريا بنفس راتب الطبيب الأخصائي، وهذه المكاسب لا يتحدّثون عنها بتاتا »وعمرهم ما شافوها«. وعوض أن يشيدوا بما تحقّق فإنهم الآن يطالبون بأن يستفيد الصيادلة وجراحو الأسنان، الذين يدرسون خمس سنوات، من نفس الرتبة التي يحظى بها الأطباء العامون، وهذا المطلب لا يقبله الوظيف العمومي الذي يحتسب الرتبة على أساس عدد سنوات الدراسة في الجامعة، وبالتالي فإن الأمر يختلف، والغريب في الأمر أنهم استندوا في مطلبهم إلى كون جراحي الأسنان والصيادلة ينشطون معهم في النقابة ولذلك يجب إدماجهم، وأنا أردّ عليهم وأقول بأن هذا الأمر يتعلق بتسيير دولة لا تسيير نقابات. ثم إنهم يطالبون بالتنازل عن السكنات الوظيفية لصالحهم، وهذا أيضا غير ممكن لأن الدول غير قابلة بذلك، فرضا لو تنازلت وجاء أطباء جدد مكان هؤلاء بعد إحالتهم على التقاعد فإن ذلك يطرح إشكالا جديدا بخصوص التكفل بهؤلاء، وبالتالي فإن مطلبهم هذا غير معقول، والأكثر من ذلك فقد أخذنا على عاتقنا التدخل لدى مصالح وزارة السكن من أجل إيجاد صيغة تحفيزية للأطباء وهو ما تمّ من خلال إقرار تسهيلات كبيرة عن طريق منح قرض يصل إلى 7 ملايين دينار وبنسبة فائدة تقدر ب 1 بالمائة وهم رغم كل هذا يرفضون ذلك. وهناك أمور أخرى مثل العمل النقابي والتجمعات، وهذه أردّ عليها بصراحة فإذا كان طبيب أو اثنين ظُلموا على مستوى التراب الوطني فإن ذلك لا يعني الإقدام على إضراب غير محدود ونرهن صحة المرضى ونفرض عليهم حصارا، هذا أمر لم يحدث في أي بلد في العالم، ثم إنهم رفضوا ما تضمّنه القانون الأساسي من إجراءات تأديبية ويقترحون أن تحلّ كافة المشاكل بالتراضي، لكن القانون واضح وأي طبيب يتجاوز حدوده ويلفظ مثلا بتعابير لا أخلاقية داخل المؤسسة الاستشفائية ضد مسؤوله المباشر أو حتى يرفض العمل فهناك مجلس تأديب يتولى الأمر. س: أمام كل هذه الحراك اتهمت نقابات الأطباء الممارسين وكذا الأخصّائيين مصالح الوزارة بغلق باب الحوار، حيث لجأت إلى الاعتصام أمام قصر الحكومة ثم قرّرت بعدها الاعتصام أمام رئاسة الجمهورية وقد استقبلهم مسؤول العلاقات مع المنظمات والتزم بالنظر في انشغالاتهم والردّ عليها قريبا، في اعتقادكم لماذا تمّ اللجوء إلى هذا الخيار وإلى أين تتجّه الأمور في القطاع أمام الإصرار على مواصلة الإضراب؟ ج: نحن في وزارة الصحة وزيادة على كل هذه الحركية فإننا لم نتوقف عن الحوار مطلقا، وهنا اسمحوا لي بأن أتحدّث أيضا عن الأطباء الأخصائيين الذين حصلوا على حقوق لم تكن في متناول باقي الفئات الأخرى مثلما هو الحال بالنسبة لمنحة التحفيز، صحيح أن هذه المنحة لم تتغيّر منذ 2005 وبقيت نفس العلاوة التحفيزية بثلاث درجات في حين أن النقابة تطالب بأن تكون هذه المنحة تصاعدية بناء على المسار المهني بعكس ما جاء في القانون الأساسي، ولذلك فأنا أقول بأن هذه الأمور تدرس بالحوار لأننا نريد أن يكون الأطباء الفئة الأحسن دخلا قياسا بباقي القطاعات الأخرى. وهنا أؤكد بأن نقابة الأخصائيين أيضا تطالب بأن يحظى الطبيب المختص المعالج في المستشفى بنفس سلم التدرج والمنح مع الأستاذ الاستشفائي الجامعي، وهذا أمر قد فصلنا فيه وهو غير ممكن لأن الأستاذ الاستشفائي الجامعي يؤدي مهمّتين فهو شغّال كطبيب معالج في المستشفى بالإضافة إلى دوره البيداغوجي في الجامعة كونه يقدّم دروسا، ثم إن هذا الأخير اختار أن يكون جامعيا وهي الصفة التي يخضع التدرّج فيها إلى نظام يقوم على أساس الامتحانات بعد مزاولة الدروس، وهو ما يعني أن الأستاذ الاستشفائي الجامعي يقوم بمجهود إضافي مقارنة مع الطبيب الممارس، وجوابي لهؤلاء أنه ما دمت قد اخترت للمرة الأولى أن تكون أخصّائيا في القطاع العمومي فلك ذلك وإن قد كنت اخترت مسار الأستاذ فإن ذلك يعني الخضوع لنظام آخر للتدرّج بناء على الكفاءة والدبلوم وهذا، كما قلت، يتطلب مجهودا أكبر. وبخصوص هذا المطلب كذلك فإن الوظيف العمومي لا يقبل به لأنه يمثل هيكل الدولة، ولن أفشي سرّا إن قلت بأن وزارة الصحة، مع كل ما هو حاصل، وقفت معهم وساندتهم إلى درجة بعيدة جدا لا يمكن وصفها، وقد وصلنا إلى جوّ ملوّث مع بعض الإدارات لأننا دافعنا عن مطالبهم وهم يعرفون هذا الأمر جيّدا، وبالتالي فإن وزارة الصحة ليست هي التي تحدّد أو تعطي نظام الأجور وإنما هناك مديرية الوظيف العمومي التي تتكفّل بالأمر. وزيادة على كلّ هذا هناك أمور أخرى كان ينبغي أن لا تدفع بهؤلاء بأن يحرموا شعبهم من التداوي، فإذا كان الإضراب حقّا دستوريا فإن العلاج أيضا حق دستوري، وبعد 3 أشهر من الإضراب تقدّمنا بهم إلى العدالة وهي فصلت في الأمر وقالت إن الإضراب غير شرعي وغير قانوني ومع ذلك لم نذهب بعيدا في التعامل مع المضربين مع أننا كنّا قادرين ولا زلنا مثلما فعلته قطاعات أخرى، وقد واصلنا الحوار والمصالحة بحضور الوظيف العمومي ووزارة العمل، ولكنهم على الرغم من كل هذه الخطوات لا يزالون على موقفهم الرافض وهم يطالبون بتغيير القانون الأساسي أو لا يقبلون الأمور الأخرى.. فالقانون الأساسي خرج ونشر وهو ساري المفعول منذ أربعة أشهر، ولا توجد أي دولة في العالم تُصدر قانونا وتقدم على تغييره في ظرف أسبوع أو أسبوعين، وقد أبلغنا النقابات بأن تصبر أشهرا إضافية والتزمنا بإيجاد حلول إضافية لانشغالاتهم بما يضمن تسهيل مهمتهم وعندما يأتي وقت تغيير القانون الأساسي فإننا سنفعل ذلك من دون أي إشكال. س: لكن بالملموس في حال ما إذا استمر الإضراب لمدة أطول، كيف ستتعاملون مع الوضع خاصة وأننا لمسنا في تصريحاتكم نوعا من التحضير لاتخاذ إجراءات حازمة ضد المضربين، أو دعني أقول إلى متى تبقى وزارة الصحة تراقب الوضع ونقابات القطاع تواصل شلّ المستشفيات والمريض يدفع الفاتورة؟ ج: أقولها هنا صراحة إذا أرادوا أن يذهبوا بعيدا فإننا في وزارة الصحة وفي الحكومة مستعدون للذهاب بعيدا كذلك، فالعدالة منحت لنا كل الحقّ والإضراب، كما سبق وأن قلت، غير شرعي ومن حقّنا أن نرغمهم على العمل، والأكثر من ذلك فإن أي غياب يضع أي مريض في خطر وهذا يعني الذهاب نحو تطبيق أمور لا أتمناها شخصيا كطبيب لزملائي، فوزارة التربية طبّقت القانون ونحن تربّصنا وتريّثنا وبقينا متمسكين بخيار الحوار والنقاش طيلة هذه المدّة، ولكنّهم يعتقدون بأن هذه السياسة التي تبنّيناها هي ضعف منّا، وأنا أردّ وأؤكد بأن هذا تعاطف وليس ضعفا، وإذا كانت وزارة التربية الوطنية تدخّلت وقالت إنها لن نترك أولادنا في قبضة من هبّ ودبّ فحتى نحن في وزارة الصحة مستعدون كذلك للذهاب بعيدا، ولا أتمنى أن نقدم على هذه الخطوة. ولو يلحق مكروه بمريض واحد، لا قدّر الله، لأن طبيبا رفض معاجلته بحجة أنه في إضراب، سأكون من الصارمين في التعامل لأن الدولة هي التي تحمي المريض، والدولة هي التي كوّنت هذه الطبيب وخسرت عليه الملايين من أجل تعليمه وتكوينه ليصبح على ما هو عليه الآن، ثم يأتي هذا الطبيب ويفرض حصارا على المرضى ويحرمهم من حقّهم الدستوري. وبالمناسبة فقد عقدنا اليوم (الاثنين) اجتماعا بمقر وزارة الصحة رفقة كل نقابات القطاع البالغ عددها 17 نقابة حيث قمنا بتنصيب لجنة مشتركة تتكفل بدراسة ملف العلاوات حتى نثبت للشركاء الاجتماعيين بأن الحوار لم يتوقف أساسا، وزيادة على ذلك فإن لدينا علاقة طيبة وحميمية مع زملائنا ولكن لا نقبل التعنّت، وفي كل مرّة نحسّ بأننا اقتربنا من الوصول إلى حلول فإننا نشعر في المقابل بأن هناك حقنة إضافية تأتي من مكان آخر، فاليوم مثلا يتكلّمون بكلام معيّن ثم يعودون في الغد ويتحدّثون كلاما آخر رغم وجود محاضر تثبت موقفهم الأوّل. س: نفهم من كلامكم هذا بأن هناك أطرافا غير نقابية، ولنقل إنها حزبية، تقف وراء إضراب نقابات الصحة، هل بالإمكان أن تحدّدوها بوضوح إن كانت لديكم معلومات في هذا الشأن؟ ج: هذا أمر لا محالة فيه، فهناك أطراف تحرّك الإضراب والنقابات، وأكتفي فقط بالقول إنها الجهات التي لا تحبّ للجزائر أن تستقرّ. س: ملف ثقيل آخر عانت منه مصالح وزارة الصحة في الفترة الأخيرة وهو يتعلق بفيروس »أش أن 1«، وقد وُجهت الكثير من الانتقادات لقطاعكم خصوصا في الجانب المتصلّ بتوفير اللقاح وكذا الجدل الكبير الذي أثارته فاعليته وصلاحيته وكذا التدابير التي تمّ اتخاذها لمواجهة الوباء، كيف تعاملتم مع ذلك الوضع؟ ج: لقد لاحظتم أنه قبل وصول الفيروس كانت الجزائر حضّرت كل شيء لمواجهته سواء على مستوى توفير الأدوية أو من خلال رفع حالة التأهب القصوى وكذا إجراءات المراقبة على مستوى النقاط الحدودية والمطارات، كما حضّرنا كذلك المستشفيات ومصالح الولادة إضافة إلى غرف الإنعاش، وخضعنا لكل معطيات وتوصيات المنظمة العالمية للصحة التي أوصتنا بتوفير حوالي 65 مليون جرعة لقاح، والواقع أننا حضّرنا أنفسنا بطريقة ذكية أمام مساومة بعض المخابر المختصة في إنتاج اللقاح المضاد للفيروس حيث رفضت في البداية بيعنا الكمية المطلوبة لكن مع مرور الوقت توصلنا إلى اتفاق مع مخبر بريطاني »جي أس كا« المتواجد بمنطقة »كيبك« الكندية واقترحنا الشراء بنظام الحصص، أي ندفع حصة أولى من أجل شراء 500 ألف جرعة، وقد نجحنا في تقليص الكمية المطلوبة من 20 مليون جرعة لقاح إلى 5 ملايين جرعة فقط لأننا سجلنا تراجع الوباء بشكل كبير في الجزائر. هذا الكلام ليس معناه أن بلادنا أصبحت بمنأى عن الخطر تماما لأن الفيروس لا يزال موجودا وما حدث فقط أن المقاومة أصبحت قوية في هذه الفترة، وقد أثبتت الطرق التي تعاملنا معها مع الوباء فعاليتها لأننا أوصدنا كل الأبواب، وأقولها بكل صراحة بأن الأدوية كانت موجودة والأطباء كانت في أهبة الاستعداد على أساس أننا كوّنا حوالي 2600 طبيب خصيصا لمواجهة الفيروس، وحاليا لدينا كمية معتبرة مخزّنة استعدادا لأي طارئ، وبحسب الأرقام التي بحوزتنا فإن ما يزيد عن 270 ألف جزائري وصلهم فيروس »أش 1 أن 1« لكن درجة المناعة لديهم كانت كبيرة مما حال دون تأثّرهم، منهم أكثر من 950 استدعت حالاتهم الخضوع للعلاج في المستشفيات نظرا لحدوث بعض المضاعفات، بالإضافة إلى وفاة 57 شخصا. س: رغم كلّ الإمكانات المادية والبشرية التي وضعتها الدولة لمواجهة هذا الوباء القاتل إلاّ أن حملة مقاطعة اللقاح عرفت استجابة واسعة حتى داخل مستخدمي قطاع الصحة إلى درجة واجهت فيها الوزارة الكثير من المتاعب والعقبات في التعامل مع تلك الظروف، باعتباركم المسؤول الأول على القطاع ما هي الأسباب الحقيقية وراء تلك المقاطعة؟ ج: الامتناع عن التلقيح ليس ظاهرة جزائرية فقط، ففرنسا مثلا اشترت حوالي 95 مليون جرعة لقاح وواجهت نفس الإشكال، ومن جهتنا فقد حضّرنا 8 آلاف مركز تلقيح وحدّدنا أولويات التلقيح حسب الفئات لكن رغم ذلك حدث الامتناع الذي يعود إلى العديد من الأسباب منها في المقام الأول التصريحات المتردّدة للمنظمة العالمية للصحة وهو ما أثّر بشكل مباشر على أصحاب القرار في الدول المعنية، ثم جاء فيما بعد الصراع بين المخابر الأربعة لإنتاج اللقاح فوقع اختيارنا على مخبر »جي أس كا« وهو يتوفر على لقاح ذو نوعية عالية كونه يمنح ومعه منشّط الفيروس، وزيادة على ذلك فإنه أقلّ ثمنا وأكثر فعالية مقارنة مع باقي اللقاحات الأخرى. وبعكس ما روّج له فإن المنشّط الذي يحتويه »جي أس كا« يجعل من هذا اللقاح أكثر فعالية ولا يحتوي على أيّة أضرار وهو بالعكس فيه فائدة طبيعية وينصح به حتى النساء الحوامل خاصة خلال الثلاثة أشهر الأخيرة من الحمل باعتباره تقلّ المناعة خلال هذه الفترة، كما ينصح به أيضا مرضى السرطان، لكن لقاح باقي المخابر يحتوي على جرعة واحدة ويحتاج إلى التلقيح على مرتين حتى يكون فعّالا وهو لا يحتوي على المنشّط، وقد انعكس على كل هذا الحراك صراع بين هذه المخابر من خلال تبادل الاتهامات والترويج لوجود مواد سامة في اللقاحات، وعليه فقد استمرت المزايدات بشكل حاد وللأسف انخرط فيها علماء الذين نزلوا إلى مرتبة »الخضّارين« من خلال تصريحاتهم عبر القنوات التلفزيونية ووسائل الإعلام المكتوبة. أما في الجزائر فقد كنت أوّل مواطن استفاد من التلقيح ومع هذا فقد غلبت الدعايات، وشعبنا سامحه الله عوض أن يثق في دولته انساق وراء قنوات أجنبية وحتى أن هناك جرائد جزائرية غير نزيهة كانت تزوّر الحقائق ساهمت بدورها في هذه الحملة السلبية. س: صحيح أن حدّة انتشار الفيروس تراجعت بشكل كبير في الأشهر القليلة الماضية، لكن الأكيد أنكم وضعتم في الحسبان إمكانية عودة الفيروس في أيّ وقت، هل بالإمكان معرفة طبيعة التحضيرات للمرحلة المقبلة، ومتى تتوقّعون عودة الوباء؟ ج: بعد تراجع الفيروس أنقصنا درجتين من حالة التأهب والعمال والأطباء أصبحوا متفرغين أكثر لعملهم اليومي، وبالمقابل فإن مراكز الوقاية والعلاج لا تزال مجهّزة مثلما هو الحال بالنسبة لمراكز اليقظة، كما أعطينا تعليمات للبقاء على أهبة الاستعداد، ونحن مطمئنون من جهة أخرى بدرجة الاستعداد خاصة وأن المنظمة العالمية للصحة تتوقع عودة الفيروس خلال شهري أفريل وماي المقبلين، وبالتالي فإنني أطمئن كافة الجزائريين بأننا نمتلك كل الإمكانيات خاصة من حيث مخزون الدواء الذي احتفظنا به ولم نبعه، وزيادة على هذا فإن مدة صلاحية اللقاح لا تطرح أي إشكال لأكثر من عام ونصف وكل الولايات تتوفّر على الكميات المطلوبة. ولكن يجب الإشارة إلى مسألة هامة وهي أن الفيروس »أش 1 أن 1« يتغيّر وممكن أن يكون خلال الشتاء القادم غير قاتل بالشكل الذي ظهر عليه أي أنه يمكن أن يكون مثل الفيروس العادي للأنفلونزا الموسمية ويحتاج إلى لقاح بسيط جدّا. س: على الرغم من الإمكانيات المعتبرة التي يُخصّ بها قطاع الصحة غير أن نوعية الخدمات في المستشفيات، أو بالأحرى تدني الخدمات، بات الشغل الشاغل للمواطنين الذين ما فتئت شكاويهم تتزايد، ما هي الإجراءات التي باشرتها الوزارة من أجل التكفّل بهذا الجانب وإلى ماذا تعود هذه الظاهرة؟ ج: حتى نكون صريحين فإنها قليلة هي الدول التي نجد فيها شعوبها راضية تمام الرضا على نوعية الخدمات المقدّمة على مستوى المستشفيات وخاصة منها الجزائر، وأنا أتعجّب من المواطن الجزائري فعندما يذهب إلى عيادة خاصة لا يشتكي رغم أنه يدفع أضعاف ما يدفعه في المستشفيات ولا يتلقى خدمات في المستوى، وعندما يأتي إلى المؤسسات الاستشفائية العمومية لا يدفع دينارا واحدا، ومقابل ذلك يجد فيه أحسن الأطباء والأساتذة وأحسن الأدوية لكنه منذ أن تطأ قدماه قاعة العمليات وهو يسبّ ويشتم في الدولة وفي الأطباء، وأنا لا ألوم شعبنا لأنه »الله غالب عليه«. وإذ أقول هذا الكلام فإنني لا ننفي أن الكثير من الأطباء تعرّضوا للاعتداء من طرف المرضى لأسباب تافهة قد تصل إلى تأخّر لا يفوت 5 دقائق أو لوجود طابور، وهو ما لما نسجله في العيادات الخاصة، وبالمناسبة فإننا شرعنا حاليا في إرسال مفتشين نفسانيين إلى كل المستشفيات، والعملية ستكون بالتدريج للنظر في مدى التكفل بالمرضى، لأننا لا ننفي بأن هناك أناسا وجدوا أنفسهم بالصدفة يشتغلون في المستشفيات، وبالتالي فإن أي موظف بقطاع الصحة، مهما كانت رتبته، يجب أن يكون صبورا ويحسن التعامل مع المرضى وقاصدي هذه المؤسسات الاستشفائية، ومن لا يتسم بهذه الصفات فمن الأحسن له ألا يتردّد ويغادر القطاع نهائيا قبل أن يطرد. وإجمالا قمنا بتكوين 180 طبيب ستكون مهمتهم الأساسية تفتيش المؤسسات الاستشفائية وكذا العيادات الخاصة، منهم 110 أطباء لمراقبة مدى احترام معايير النظافة وكذا مصالح الاستعجالات وقد باشروا عملهم، ومن يسيء التصرف مع المواطن الجزائري وهو في حالة مرض حتى وإن تعلّق الأمر بأستاذ استشفائي جامعي سيطرد نهائيا من القطاع. س: مصالحكم شرعت منذ بداية الشهر الحالي في تطبيق ما يسمى ب »العلاقة التعاقدية« مع مصالح الضمان الاجتماعي، إلى أي مدى يمكن للمرضى الاستفادة من هذه العملية خاصة وأن هناك تخوّفات من أن يؤثّر هذا النظام الجديد من العلاج على تكاليف العلاج في حدّ ذاته؟ ج: العلاقة التعاقدية بين قطاع الصحة والضمان الاجتماعي مهمة جدا لأنها تعطي مزيدا من الشفافية والجدية في التسيير وحتى الرقابة، وفي اعتقادنا فإن هذه العملية طالت لأنها كانت تتأرجح منذ 2002 لكننا قرّرنا بالتنسيق مع وزارة العمل تجسيدها هذه السنة بعد جهد جبّار، وبناء على ذلك فإن تكلفة علاج المرضى تكون على أساس الفوترة اليومية وبناء على طبيعة المصلحة التي يتواجد فيها المريض على أن يكون هذا العلاج مجانيا في هذه السنة لأننا في مرحلة التجريب. وكما هو معلوم فمنذ 1974 والدولة تعتمد على مجانية العلاج وقد وصل الأمر حتى أن الأجانب كانوا يعالجون بالمجان لأنه لم تكن هناك معايير مراقبة بالأساس، والآن تغيّر الوضع وأصبحت المستشفيات تتوفر على كافة الوسائل من أدوية وتجهيزات عصرية، حيث هيّأنا كل الوسائل اللازمة، واتفقنا مع وزارة العمل والضمان الاجتماعي على أن يكون الدفع مباشرة من صندوق الضمان إلى المستشفيات عن طريق شبكة إعلام آلي تمّ إعدادها خصيصا، وبالتالي سيتم ترشيد النفقات بشكل أكبر. وأريد أن ألفت إلى أنه قررنا هذه السنة أن تكون صيغة العلاج مجانية، واللافت حتى الآن بأن هذه العملية عرفت نجاحا كبيرا في بداياتها حيث أثبتت فعالية بالغة في عدة ولايات في انتظار مزيد من المكاسب خاصة مع تعميم استعمال بطاقة الضمان الاجتماعي المعروفة باسم »شفاء«، ومن غير المستبعد أن تتمّ مراجعة طريقة الفوترة بالنسبة للعلاج مع الاستغناء عن نظام الفوترة اليومي، كما أريد التأكيد بأن هذا الإجراء سيشمل كذلك العيادات الخاصة التي بدأ البعض منها في تطبيقه مثلما هو الحال بالنسبة للصيادلة، ولكن هذه الأمور بحاجة إلى وقت وإلى تدرج من أجل أن تصل إلى مرحلتها النهائية. س: أصدرتم في الفترة الأخيرة تعليمة وزارية تقضي بتحديد أوقات عمل ممارسي الحصة في العيادات الخاصّة، ويبدو من خلال نصّ تلك التعليمة أنها جاءت بناء على تقييم سلبي وتجاوزات سجلتها مصالحكم على مستوى المؤسسات الاستشفائية، أليس كذلك؟ ج: في الواقع هناك أكثر من تجاوزات على مستوى العيادات الخاصة، وأكثر ما دفعني إلى إصدار هذه التعليمة هو الوضع الذي آلت إليه المؤسسات الاستشفائية بعد صدور تعليمة وزارية سابقة تصبّ في نفس الاتجاه، وهي تقول أن كل أستاذ رئيسي لا يحقّ له العمل في القطاع الخاص وقد ثبت أن جلهم كانوا يتركون المرضى يعانون في القطاع العمومي كما هو الشأن كذلك بالنسبة للطلبة بعد نصف ساعة عمل في اليوم ويلتحقون فيما تبقى من الوقت للعمل بالعيادات الخاصة، وللأسف فإن بعض مدراء المستشفيات، سامحهم الله، متورطون في ما حصل لأنهم كانوا على علم بذلك. أما المساعدون وفق التعليمة فكان لهم الحقّ في يومين في الأسبوع يتركون في الفترة المسائية إذا أرادوا العمل في العيادات الخاصة، ولكن ما لاحظناه أنه بعد اعتماد هذا النظام بقيت الأمور على حالها حيث وصل عدم الالتحاق بالمناصب إلى خمسة أيام في الأسبوع خلال الفترة المسائية، وبالتالي فقد أصدرنا التعليمة التي تمنح يوما واحد راحة لهؤلاء الذين يكون لهم الاختيار بين يومي الثلاثاء أو الأربعاء على أن يكون عملهم في عيادة خاصة واحدة لا أكثر وفي ولاية واحدة أيضا، وزيادة على كل هذه الإجراءات فإن مدير المستشفى أصبح مطالبا بمراقبة فعالة وحتى رئيس المصلحة مطالب هو الآخر بتدوين اسمه وساعات الالتحاق بالعمل. وليس مستبعدا أن نتخذ إجراءات بالتدريج خاصة وأن عملية التفتيش قد شرعنا فيها على مستوى أربع مدة كبرى، كما دوّننا أسماء كل العيادات المعنية وحتى الآن لم نرد اتخاذ الإجراءات العقابية على اعتبار أن الملفات التي بحوزتنا مدعومة بصور من طرف المفتشين، حيث أعطينا للمعنيين بالأمر مهملة شهر واحد لا أكثر من أجل إصلاح الوضع وإعادة تنظيم أمورها، وضربنا لهم موعدا بعد انقضاء هذه المدّة، وأريد أن ألفت في هذا الصدد إلى أنه في حال حدوث أخطاء كبيرة نحيل الملفات مباشرة إلى العدالة وهنا يتدخل مجلس أخلاقيات الطب ليساعد السلطات القضائية على اتخاذ الأحكام المناسبة. س: قطاع الصحة لم يسلم هو الآخر من ظاهرة هجرة الكفاءات التي استقرت أغلبيتها في المستشفيات الفرنسية، هل هذه الظاهرة تعني بأن وزارة الصحة لم تحسن التكفل بالانشغالات المهنية والاجتماعية لهؤلاء بما يزيد من احتمالات تواصل ما يمكن أن نسميه »النزيف«؟ ج10: كل طبيب لديه مبرّراته في الهجرة نحو الخارج، ولكن في أغلب الأحيان هناك مزايدات لأنني شخصيا أعرف الكثير من الأطباء الجزائريين حاصلين على شهادات أطباء ولكنهم يشتغلون مجرّد ممرضين في المستشفيات الفرنسية، وحتى الفرنسيين أنفسهم لا يتركونهم يُجرون العمليات الجراحية ولا حتى على لمس مواطن فرنسي إلا على مستوى العمليات البسيطة، وهذا لا ينفي أن هناك عددا قليلا من الذين نجحوا هناك من ذوي الكفاءات العالية الذين يصل الأمر بهم بعد خمس سنوات من الخدمة إلى تلقي عروض بالحصول على الجنسية الفرنسية وفي هذه الحالات تختلف المواقف بين من يوافق وبين من يرفض ويقرّر العودة من جديد إلى الجزائر. وأتمنى أن يضع الأطباء بمختلف اختصاصاتهم الثقة في بلدهم والبقاء هنا لخدمتها لأنها بحاجة إليهم، فالجانب المادي لا يمكن أن يكون لوحده هو الأساس، فبالنسبة لي أفضّل البقاء في الجزائر وأتلقى راتبا يمثل عشر مما يمكن أن أتلقاه في الخارج على أن أحتمل كل تلك المذلّة. س: أوليتم كذلك عناية خاصة بمرضى السرطان من منطلق أن الجزائر تسجل ما لا يقل عن 35 ألف حالة جديدة كل عام، وهو ما يكلّف الكثير على الصعيد المادّي، إلى أين وصلت عملية إنجاز مراكز الفحص التي سبق وأن تحدّثتم عنها في أكثر من مناسبة؟ ج: في الواقع المشكلة التي تواجهها الجزائر فيما يتعلق بالسرطان ليست نقص وسائل المواجهة والعلاج، فقد كانت لدينا خمسة مراكز، أربعة منها مهملة وفي حالة هشّة ومركز واحد مغلق، ولما لاحظ رئيس الجمهورية أن عدد المرضى يتزايد سنويا بمعدل 35 ألف إصابة جديدة أعطى تعليمات لتحسين وسائل الفحص والتشخيص، وعموما فإن الجزائر تمتلك الإمكانيات والأدوية وبقي فقط تحضير مراكز الفحص بالأشعة ولذلك تقرّر إنشاء 14 مركزا جديدا للفحص عن طريق الأشعة »سكانير« إضافة إلى مركز قررنا إنشاءه هذا العام بولاية المدية في إطار المخطط الخماسي للقطاع. وهناك ثمان مراكز ننتظر تسليمها مع نهاية العام الجاري، لتبقى 7 مراكز أخرى قرّرنا تحويلها إلى مصالح الفحص بالأشعة بدل أن تكون مراكز كبرى حتى تستفيد منها المستشفيات من خلال بنائها بجانب قاعات العمليات، وبالتالي عوض بناء مركز جهوي للفحص فإننا نربح مصلحة جديدة في كل مستشفى والغلاف المتبقي نحوّله لإنجاز مراكز جديدة في ولايات أخرى، وبعملية حسابية فإنه مع حلول 2014 سيكون لكل ولاية مركز خاص بها للفحص بالأشعة عن السرطان وهو ما يعني أن نتفادى كل الصعوبات المطروحة حاليا خاصة وأنه يوجد في القائمة حاليا حوالي 13 ألف مريض ينتظرون الفحص بالأشعة.