الآن فقط يمكن أن نقول إن عبد اللّه جاب اللّه صار سياسيا محنكا، وها هو يبين أنه فهم اللعبة السياسية، حيث قال إنه لم يكتب عليه البقاء معارضا إلى الأبد، وإنه مستعد للمشاركة في السلطة. كلام جديد لم نتعوده من الزعيم الإسلامي الذي ماانفك يفرخ أحزابا ثم تفتك منه، وكلامه هذا عربون مودة، حتى لا يتعرض مرة أخرى إلى عملية انقلابية، ويؤخذ منه مرة أخرى حزبه، فقد أراد أن يقول بهذا إنه لم يكتب عليه تأسيس أحزاب ثم تسرق منه. لا أدري إن كان هذا نابع من الضمانات التي قدمها الرجل للسفير الفرنسي والأمريكي في لقائه مع كليهما، أم أنه أراد أن يستنسخ تجربة حمس التي كسبت الكثير من مشاركتها في السلطة، وإن كانت حركة نحناح في الحقيقة كسبت المال وخسرت النضال، ومساهمتها في السلطة كانت مساهمة في النهب العام أكثر من مساهمتها في حل مشاكل الجزائريين. كلام معقول هذا الذي قاله جاب اللّه، الذي كان دائما ضحية بطانته، وضحية تعنته، ومشاركته في السلطة في الحكومات القادمة بعد الانتخابات التشريعية سيكون تقليما لأظافر غريمه أبو جرة، وسيجبر هذا الأخير على صب الماء في لبنه، فقد نببت له أجنحة طارت به من قطر إلى تركيا إلى مصر، مقدما نفسه على أنه القوة الإسلامية الأكثر تمثيلا في الجزائر، وأن على المراهنين على التيار الإسلامي في الجزائر أن يتعاملوا معه، ويحسبوا معه هو وحده لا غيره. وقد يكون اعتماد حزب جاب اللّه قريبا نابع من هذا المبدأ، وهو تشتيت قاعدة الإخوان، وتوزيعها على عدد من الأحزاب، إضعافا لأبي جرة الذي كفر بالنعمة. ربما من حظنا هنا في الجزائر أننا عرفنا أبشع وجه للإسلام السياسي، بجناحه المتشدد الراديكالي الدموي، وبجناحه المنقوع في سموم الفساد والرياء؛ الأول قاتلنا وقاتلناه وانتصرنا عليه في ميدان المعركة، والثاني تفشى في المجتمع وتفشت معه سمومه، وانكشفت عورته ورياؤه للجميع، بغرقه في الفساد العام، ولهذا ستكون مصيبتنا أخف في التعامل مع هذا التيار الرجعي الذي سيعود بنا إلى عصر الانحطاط. ستكون مصيبتنا أخف من أشقائنا في مصر وتونس وفي ليبيا، هذه البلدان التي تعيش هذه الأيام فوضى مثل تلك التي عشناها سنوات التسعينيات، والفارق اليوم أن هذه التنظيمات الإسلامية التي يسمونها اعتباطا بالإسلام المعتدل، مدعومة من الغرب لوجستيكيا وإعلاميا وماليا، وهو ما لم يتحقق قبلها للتيار السلفي في الجزائر الذي تخلت عنه السعودية سنوات التسعينيات بسبب موقفه من حرب العراق وجهره بالعداء للمملكة، ولية نعمته.