كيفما أمكن تصور المشهد السياسي بعد الانتخابات التشريعية التاريخية المنتظرة في كنف النزاهة والشفافية والديمقراطية، يصعب التكهن بأن يكون للتيار الإسلامي، رغم بروزه في ظرف تميز بعودة الإسلاميين إلى كل من مصر وتونس وليبيا، حضور قوي قد تخشاه الطبقة السياسية والرأي العام، ومرد ذلك إلى كون التيار الإسلامي في الجزائر لم يعد يحظى بالامتداد الشعبي الذي كان بمثابة ورقته الوحيدة في التسعينيات، من جهة، ومن جهة أخرى بالنظر إلى المبادئ السياسية التي تعتمدها الأحزاب الإسلامية والمتأثرة جدا بمسار طويل من الانشقاقات والتصدعات. لم ينقطع الإسلاميون في الجزائر عن العمل السياسي، منذ سنوات طويلة، بل وأكثر من ذلك، كان لهم نصيب وافر في تسيير شؤون البلد، من خلال تواجدهم في الجهاز التشريعي وفي الحكومة، وفي النشاط الحزبي، وبالتالي بات التيار الإسلامي عندنا مرجعا للاجتهاد السياسي في تونس ومصر وليبيا، فقبل أن ترجح كفة الإسلاميين في تونس مثلا، كان العمل جاريا على التجربة الجزائرية التي عمرت منذ أكثر من 10 سنوات، وبالتالي فإن القول بأن الأحزاب الإسلامية في الجزائر أضحت تستلهم قواها من البلدان الشقيقة، يصبح ضربا من اللهو، وهي النتيجة التي جاءت على لسان مسؤول سام في الدولة الجزائرية، حين سئل عن مدى تأثر الأحزاب الإسلامية بالتجربتين التونسية والمصرية وحتى الليبية. رغم ذلك يعتقد ملاحظون أن »عودة« الإسلاميين إلى مسرح اللعبة السياسية، التي أريد لها أن تتكرس رغم عدم صحتها، كما يعتقدون أن تحالفات بين التيار الإسلامي ممكنة جدا لمجابهة التيار الوطني الحاضر بقوة في كل المناسبات الاستحقاقية، ويدركون أن هذا التيار إنما يستمد قوته وشرعيته من امتداد شعبي لا يستهان به، امتداد نابع من قيم الثورة ومبادئ الدولة التي تقدس الدين والعروبة، ناهيك عن التشبث بالسلم والأمن والمصالحة والاستقرار، كما أن للتيار الوطني باع طويل في الممارسة السياسية المخضرمة من الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية والممارسة الديمقراطية، ما يبوئه لاعتلاء المراتب الأولى في الجهازين التشريعي والتنفيذي. إن من حق هؤلاء والجزائر على حد سواء، أن يستبشروا بما سموه عودة الإسلاميين، فذلك بيت القصيد في برنامج الإصلاحات السياسية الجارية التي قررها رئيس الجمهورية، والتي لا تقصي أيا كان، ولكن ليس من حق أحد، إسلامي كان أو وطني أو ديمقراطي، أن يقرن ذلك بعودة الفيس المحل أو يلمح لعودة مشاهد العنف والاحتجاج على سيناريوهات التزوير التي يرسمها من الآن »الحاقدون«، والأهم من كل ذلك هو استمرار برنامج الإصلاحات السياسية. لا أحد يمكنه أن يزعم بأن مسار التيار الإسلامي في الجزائر شهد تصاعدا مستقيما، فكل الأحزاب الإسلامية تعرضت لهزات عنيفة قصمت ظهرها وأكثر، وكلها كانت نابعة من طبيعة الممارسة والنضال السياسي الذي كان يعتمده الإسلاميون، بداية من تجربة »الإصلاح« في عهد عبد الله جاب الله إلى رحيل محفوظ نحناح وبداية أزمة حركة مجتمع السلم وما حدث بين سلطاني ومناصرة. وقد يقول قائل إن أحزابا أخرى تعرضت لهزات وانشقاقات، على غرار ما يروج له البعض عما يحدث في بيت الحزب العتيد، لكن الأفلان رغم كل شيء، ظل وما زال القوة السياسية الأولى في البلاد، وكان نصيبه من كل المواعيد الانتخابية وافرا في سبيل خدمة البلد، كما أن التيار الديمقراطي الذي تعرض لأزمات مماثلة، كانت طبيعية بالنظر إلى كون هذه التيارات التزمت المعارضة التامة وصلت حد المقاطعة ولم تكلف نفسها عناء المشاركة السياسية من أجل المعارضة، ففقدت امتدادها في القاعدة الشعبية التي أعابت عليها كثيرا سياسة المقاطعة. فأي تحالفات بين الإسلاميين يمكنها أن تصنع الفارق؟ في السياسة كل شيء ممكن، قد نتصور تحالفا بين أحزاب جاب الله ومناصرة وربيعي، أو بين بن عبد السلام وربيعي...لكن سلطاني الذي قاد تيارا إسلاميا نتاجا لامتداد الإخوان المسلمين، وظل يرابط على مشارف المعارضة رغم مشاركته في الحكومة والبرلمان، سيكون الخاسر الأكبر خاصة بعد انسحابه من التحالف الرئاسي الذي تأسس أصلا لتنفيذ برنامج رئيس الجمهورية، أما التيار الوطني فهو من يعول عليه في الإصلاحات السياسية وهو من يستمد نزاهته من امتداده الشعبي.