توضع في علم النفس الإكلينيكي للمريض صورة أو كلمة، ويُسأل عن أولى ما توحِي به إليه هذه الصورة أوالكلمة. والحق أنّ هذه الطريقة لا تُستعْمل في الإسْتشْفاء النّفسي فقط، بل تُستعمل في مجالات كثيرة، كالماركتينغ والتوْظيف وما إلى ذلك. وعلى هذا، ماذا لو جمعْنا إطارات وزارة الخارجية ودبلوماسيينا في الداخل والخارج وقرأْنا عليهم بيت..."دعِ المكارم لا ترْحل لبُغْيَتها وأقْعد فإنّك أنْت الطّاعم الكَاسي". ولما كان ذلك السّبْر المُبْتغى غير مُيسَّر في بلدنا، لا بخصوص هذا القطاع ولا بخصوص قطاعات أخرى، فانّنا نكتفي بأنفسنا كحقل لهذه التجربة، فما من مرة يجرى على المسامع هذا البيت إلا ويتدانى من الأنا الأسفل للجزائري كما يقول الفلاسفة إلى أنَاهُم الأعلى سكون وسكينة دبلوماسيتنا في هذا العالم المظْطرم، عالم "إرْفع رجليْك لأضع رِجْلي" ولمّا كان هذا البيت لا يُتْلى على المسامع كثيرا، فإنّ أشياء أخرى تتولى مهامه هنا وهناك، ومن ذلك، وأنْت تقرأ كل صباح صفحات الجرائد "تركيا تُذكِّر فرنسا بجرائمها في الجزائر، فرنسا تُجرِّم تركيا لما تدَّعيه من جرْم في حقّ الأرمن، وزير خارجية قطر يقود فيالق العرْبان في قضية كذا، تركيا من جديد تُحذِّر العراق من إذْكاء نار الطائفيّة"، وما إلى ذلك من حِراك يُذكِّر بالطَّاحونة التقليديّة. بموازاة ذلك، ولعشرات السنين تَغِيب دبلوماسيّتنا عن جميع الأحداث، رغم ترامي مساحاتها وكثرة بُؤَر التوتّر على حدودها، واشْتراكها من هنا مع المشرق، ومن هناك مع الغرب، وعلى مرْمى حجر مع إفريقيا، وفي خِضم كل هذا الكمّ المُتلاطم تقِف دبلوماسيتنا تلْهث خائرة القُوى. وحين تنْطق دبلوماسيتنا يدْعو كلامها إلى الحزن، لأن المثل الجزائري يقول "اللي فاتُو الكلام يقول سمعت واللِّي فاتُو الطعام يقول شبعت". ولكنها لا تأخذ بمثل من صميمها وتتكلم في الغالب بعد أنْ ينْفض الجمع، ويكون القوم قد انتقلوا الى قضايا أخرى تشغلهم، وتظلّ دبلواسيتنا تلهث، متأخرة عن كل ركْب. والحق أنّ الإحتجاج أن ذلك من إحدى سياساتها المعْتمدة لم يعد ينطلي على ذي بال، فهو حجة خائري القوة، بُكْم الألسنة لا غير، لأنّ سياسة الإنْطواء في عالم أحداثه تسْقط كل صباح قريبا من دارِك، وتدق كل ضُحى على بابك، لم تعد تأبه بسياسات السكون والسكوت. إن اتحاذ مواقف من قضايا دوليّة ،لا سيما تلك التي شئنا أو أبيْنا تكاد تدق على الأبواب لوطيد علاقاتها بأوشاجنا، فضلا عن إثباتها الحضور، تُسْهم في خلْق مجتمع مُتماسك ومُتضامن مع حكوماته، لأنّه عادة يخْتلف القوم مع حكوماتهم في المسائل الداخلية ويقفون وراءها صفًا في المسائل والمواقف الخارجية، وهو ما نراه في العوالم الناشطة دوليّا بدون إستثناء، أما بقيّة الدويلات المُنْكمشة على نفسها جهلا أو جبْنا أو كسلا، فلتهْنأ بقول جرير"فغض الطرْف إنّك من نُميْر فلا كعْبا بلغت ولا كلابا"، لتهْنأ بمقْعدها في صفوف المُتفرِّجِين الذينإذا حضروا حُقِّروا ولم يُؤْبه لهم ، وإذا غابوا لم يُنْتبه لهم. [email protected]