يبحث الكثير من العلماء والباحثين وكذا المتصوفين في خاصية التصوف لدى الطريقة القادرية، خاصة أنها جمعت بين عديد المقومات التي أهلتها لأن تكون المنهج الشامل باعتراف المختصين، آثرنا التقرب أكثر من أهل الاختصاص على هامش الملتقى الدولي ”الأمير عبد القادر رجل لكل الأزمنة”، فكانت لهم وجهات نظرهم الخاصة. ارتأينا أن نبدأ مع شيخ زاوية الهامل، الشيخ محمد المأمون القاسمي، الذي اعتبر أن المنهج الصوفي للأمير عبد القادر، كان مهتديا فيه بسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، والحياة الصوفية الروحانية للأمير جمعت بين العديد من خاصيات الرجل، بالإضافة إلى أن الأمير استطاع خلق التوازن بين جانبه الروحي والقيم المادية، والطريقة القادرية تمكنت من بناء الحياة الإسلامية المتكاملة التي وازنت بين الجانب التشريعي والجانب الروحي في الإسلام. ”الطريقة القادرية وازنت بين الجانبين التشريعي والروحي في الإسلام” أضاف الشيخ أن الأمير رسخ للمنهج الصوفي المبني على العلم والمتفتح على كل الثقافات، رغم أن لكل طريقة منهجها المميز لكن المنطلق واحد، وما قدمه الأمير للصوفية هو أنه جمع بينها وبين ممارسته للسلطة، وبذلك ساهم في إخراج الطريقة القادرية من حيز التداول في الجزائر إلى الاحتكاك بالثقافات الأخرى وجعلها محور العديد من النقاشات عبر العالم. عباس السباعي:”التصوف عند الأمير مبني على الاجتهاد العلمي” يرى عباس السباعي أن التصوف عند عبد القادر هو تصوف راسي، على اعتبار أنه ورث ذلك من جده مؤسس الطريقة القادرية في الجزائر، وانتقلت هذه الوراثة إلى أن وصلت إلى الأمير عبد القادر الجزائري، وزادت نشاطاته في الدول العربية وفي بلاد الشام، خاصة أنه ساهم في جانب كبير من التحول الإسلامي في الجزائر، العالم العربي خاصة منها بلاد الشام، فرنسا، وتركيا، فاستطاع بمقدرته وذكائه الفلسفي والعلمي أن يكتسح عقول الناس عبر العالم، ومكنه دبلوماسيته من تحقيق التفاف جماهيري واسع. وأضاف السباعي أن ميزة التصوف عند الأمير هي أنه استعملها أحسن استعمال في نشر الدعوة الإسلامية، مستعملا اجتهاده العلمي والجهاد لنصرة الطريقة الصوفية. حكمت ساري:”التصوف عند الأمير أسس للدبلوماسية الحديثة” يرى حكمت ساري أن الأمير رجل دولة من الطراز العالي، لكن فهم شخصيته كاملة تستدعي عدم إهمال الجانب الروحاني الهام لأنه ترعرع في الزاوية القادرية، وأخذ العهد على أيدي مشايخ هذه الزاوية، فهو قادري في تكوينه كما قال، أضف إلى ذلك تجديده العهد بعد منفاه بالطريقة الشاذلية، فهو صوفي زاوج بين كل الطرق الأخرى من جهة وله باع طويل في التصوف العلمي، لأنه من فسر الفتوحات المكية لمحي الدين ابن عربي تحت شكل كتابه المعروف المواقف، وعليه فهو تلميذ لابن عربي عن طريق الروح. وأضاف ساري أن الأمير جمع بين السياسة والتصوف، فالأمير طبق أفكاره الصوفية في الجزائر عن طريق مقاومته للاستعمار وبناء الدولة الحديثة، وما يجب الإشارة إليه - حسبه - أن الأمير بعد منفاه خرج للجهاد الأكبر بسوريا والشرق، وترك أثرا كبيرا في الفكر العالمي فهو الذي بشر بالعولمة من جانبها الاجتماعي والروحي، كما أنه شجع البحوث العلمية آنذاك في أوروبا، وقال ساري إنه بمقتضى تصوفه كان سباقا إلى نفي وجود تناقض بين الإكتشافات العلمية الحديثة والمعالم الصوفية والدينية بصفة عامة.. مشيرا إلى أن الأمير عبد القادر لم يمارس السياسة كرجل عادي بل مارسها بفلسفته الصوفية التي لم يقرأها في كتبه فحسب بل طبقها وعاشها وتحقق منها، كما أنه هو الأول الذي تكلم على الحوار بين الديانات، وكانت هذه الفكرة غريبة خلال القرن ال19 وحتى في أوروبا لم تكن آنذاك. الأمير عبد القادر بمنهجه التصوفي أسس للدبلوماسية الحقيقية من منطلق صوفي فحواه ”الغير ليس عدوا ولكن الغير جزء منا”، لذلك فالدبلوماسية تاريخيا أسست من اجل الحروب لكن الأمير - حسبه - أعطاها نظرة جديدة وربطها بالسياسة الداخلية ، وعليه فإن فكر الأمير كما أضاف كان سابقا في العالم العربي الإسلامي، رغم أن مبادئه طبقت خارج هذا الحيز، منها حقوق الإنسان المساجين، المرأة، وغيرها من الميادين. إيريك جيوفروا: ”الاهتمام بالمرأة صنع التميز عند الأمير عبد القادر” أشار جيوفروا إلى أن ما مكن الأمير من تطوير الطريقة القادرية هو أنه تربى عليها بحكم تأسيسها من طرف جده، إلى جانب أن ما يحسب لتصوف الأمير عبد القادر هو الاهتمام الذي خص به المرأة وقوة الدفاع عنها، كما أنه انفرد بعزيمة خارقة للعادة مكنته من شق طريقه بعد الحرب وجهاده ضد المستعمر نحو بلاد الشام وتركيا أين واصل نضاله الروحي خدمة للأمة الإسلامية. وركز جيوفروا أن خاصية التصوف عند الأمير عبد القادر أيضا هي قدرته على الإقناع وكسب إجماع الغير، معتبرا أن التصوف عنده لم يلغ الغير مهما كانت مكانته، حيث استفاد من لقائه بابن عربي وفتح الحوار بين الطريقة القادرية والشاذلية أيضا حيث نهل من هذه الأخيرة، وهو الأمر الذي طرح العديد من التساؤلات منها كيف لأمير بمثل مكانته أن يمنح كل ذلك الاهتمام لشيخ أقل شأنا منه وبالكاد يسمع به الناس وقتها، وقال جيوفروا:”ما أثار اهتمامي في الطريقة الصوفية لدى الأمير عبد القادر المكانة التي منحها للمرأة”. كما يعتقد جيوفروا أن الأمير كان أقرب إلى نهج الرسول صلى الله عليه وسلم، والدليل دخوله في خلوة بغار حراء مدة عام كامل، حيث لم يعرف له أثر حتى ظن الجميع أنه توفي، لكن الحقيقة أن الأمير سخر ذاته وعقله لعبادة الخالق سبحانه وتعالى. وركز جيوفروا على ميزة الخطابة الصوفية الثرية لدى القائد التي جمع فيها بين الطريقة القادرية والشاذلية، على الرغم من أن الأمير لم يكن متفقا مع ابن عربي في العديد من النقاط، كما أضاف محدثنا، إلا أن ذلك لم يمنع من التبادل المعرفي بينهما، إلى جانب إتباعه المنهج العلمي الذي أهله للانفراد في الجمع بين العديد من الخصائص الراقية في تصوفه. ومن المؤسف، كما قال جيوفروا، أن لا تطبق منهجية الأمير التي تتسم بالرقي والصالحة لكل الأزمنة. كلود ألزيو:”التصوف عند الأمير عبد القادر مبني على حوار الديانات” من جهته كلود ألزيو صاحب كتاب ”الأمير عبد القادر وليون روش”، ورغم أنه ليس متخصصا في الصوفية لكنه أصر على الحديث عن خاصية التصوف لدى الأمير عبد القادر من منطلق ما قرأه عن مواقف الأمير، حيث قال إن ميزة التصوف عند الأمير هو قدرته الكبيرة على خلق الحوار بين الديانات، وفتح المجال أمام مشاركة أفكاره مع الغير. وأضاف أن الأمير أعطى صورة إيجابية عن الدين الإسلامي والمنهج التصوفي والأهم من ذلك حفاظه على هويته الإسلامية الصوفية رغم منفاه واحتكاكه بالعديد من الثقافات، والمسيحيون لازالوا إلى غاية اليوم يحسبون له موقفه الفريد اتجاههم خاصة في الدفاع عن المساجين، وهو تصرف نابع من رجل دولة مسلم متصوف.