إيريك يونس جيوفروا، واحد من أبرز المختصين في الصوفية بفرنسا، أستاذ محاضر في جامعة “مارك بلوخ” في مدينة ستراسبورغ بفرنسا، فضلا عن عمله كأستاذ في جامعة بروكسل الحرة في بلجيكا، إلى جانب مهامه الأكاديمية في المعهد العالمي للفكر الإسلامي بباريس. ألف العديد من الكتب منها “التصوف، الصوت الداخلي للإسلام”. “الفجر” التقت به على هامش محاضرة ألقاها مؤخراً بالمركز الثقافي الفرنسي فكان لنا معه هذا الحوار.. كيف يرى إيريك جيوفروا خاصية الصوفية في الجزائر؟ التصوف في الجزائر أصيل ومعروف خاصة في عالم الزوايا منذ القرون الوسطى، فلا يمكن أن ننسى الشيخ أبومدين رغم أنه من أصل أندلسي إلا أنه عاش في الجزائر، وبالضبط بجاية. وعندما نفكر في التصوف الجزائري تأتينا صورة الأمير عبد القادر الجزائري، لأنه قبل كل شيء كان لعبد القادر شخصية روحية قبل أن يكون بطلا وطنيا ومؤسسا للدولة الجزائرية المعاصرة، وهو أيضا ابن زاوية، وقد حقق بعد الحرب ضد الفرنسيين هدفه الحقيقي وهو التفرغ للحياة الروحية من دمشق. وحاليا التصوف في الجزائر يستقطب إقبالا كبيرا، خاصة أمام ما تقوم به بعض السلطات السياسية التي تحاول تحقيق التفاف أكبر للجزائريين حول الطريقة الصوفية، ولا ضرر في ذلك بما أن التصوف يعني الحالة الروحية الخالصة. ماذا عن الزوايا؟ إسلام الزوايا ليس قمة لكنه إسلام سلام وثقة، والجزائر مثل حيٌ على ذلك، بالإضافة إلى أن كل المتصوفين لديهم تكوين ديني سواء تعلق الأمر بتكوين المدارس القرآنية أوتكوين المدارس الفكرية، والزاوية إحدى هذه المعالم التكوينية، وأنا مع مقولة “كل صوفي فقيه والعكس غير صحيح”. قلت إن التصوف هو علم داخل الإسلام وجزء لا يتجزأ منه. كيف ترد على من يفصل بين الإسلام والتصوف؟ التصوف ليس مادة شاذة خارجة عن الإسلام بل هو في قلب الإسلام، لأن التصوف يُكوِن الروحية الساخنة التي تشكل الأشكال الدينية المبنية على الروحانية، وبدون الروحانية فإن كل دين وليس فقط الإسلام يصبح جافا ويتقلص دوره، والتصوف من شأنه إطعام الناس روحيا، وهذا أمر لا نقاش فيه بالنسبة للعقيدة الصوفية، وهو ما أثبته التاريخ.. فهذا الأخير برهن انطلاقا على الأقل من الغزالي أن التصوف لعب دورا هاما في الثقافة الإسلامية العالمية، وهو ما لا يمكن التشكيك فيه مطلقا. هذا يعني أنه لا يمكن ممارسة الصوفية خارج إطار الإسلام؟ طالما ارتبطت الصوفية بالإسلام، لذلك فمن يمارس الطريقة الصوفية يجب أن يكون مسلما، وما عدا ذلك يطلق عليهم مصطلح “المحبين”، غير أن ذلك لا يمنع من وجود أناس يدينون بديانات أخرى كاليهودية والمسيحية لكنهم يقتربون كثيرا من الإسلام وبالضبط من التصوف، وأشير إلى أن الأرثوذكسية في الديانة المسيحية هي الأقرب إلى الطريقة الصوفية لكنها ليس الشيء ذاته. رغم ذلك هناك من يفصل التصوف عن الدين الإسلامي. ما تعليقك على ذلك؟ هذا لا شك فيه، فهناك الكثير ممن يفصلون بين الإسلام والتصوف لدرجة أن منهم من يقول إنه يوجد تصوف ولا يوجد إسلام، وهؤلاء ممن أعطوا الأسبقية للصوفية على الدين الإسلامي، غير أن الحقيقة أنه هناك علاقة وطيدة بينهما، والإسلام قبل كل شيء هو فكر، وإن لم تستمد الصوفية ممارساتها من الإسلام.. لماذا يتساءل بعض المتصوفين عن إمكانية أن يكون الإسلام هو ديانة المستقبل. ضربت مثلا في حديثك عن التصوف بالعلامة عبد الحميد ابن باديس، هل هذا يعني أنه كان متصوفا؟ لا أنا لم أقل إنه كان متصوفا، وإنما كنت أقصد أن ابن باديس لم يطعن في الصوفية بشكل عام وإنما هو من أفضل من فرقوا بين التصوف الحقيقي كروحية أصيلة وبين غيره من الطرق المنحرفة في الصوفية، كما أنه اقترب كثيرا من الصوفية في آخر حياته، وأنا شخصيا أعتبر ذلك إنصافا للصوفية من طرفه. ما هي صورة التصوف حاليا في العالم الإسلامي؟ لاتزال الطرق الصوفية على تنوعها في تطور مستمر وهذا يتماشى وتطور المجتمعات سياسيا، اجتماعيا وثقافيا، والتصوف له بصمته في الحياة العامة للناس لأن الأفراد في الجزائر وفي العالم العربي والإسلامي على حد سواء بحاجة الى الرجوع الى الأصل، وهذا لا يعني أن هناك من يقف عند الشكل دون الغوص في المضمون، بينما هناك البعض الآخر من اهتم بالشكل وحاول الغوص في الأعماق والوصول الى الأصول الروحية، لأن أصل الرسالة المحمدية هي الروحانية وإلا لكان الإسلام إيديولوجيا فقط. أين هي المرأة من كل هذا التوجه الصوفي؟ للمرأة حضور قوي في الصوفية، وأكبر دليل على ذلك وجود نساء متصوفات في كل من تونس وتركيا، وقد أثبتت هذه النماذج المكانة الراقية التي يمنحها الدين الإسلامي للمرأة باعتبارها شريكة الرجل ويمكنها المساهمة في كل مجالات الحياة. والتصوف لا يسعى بأي حال من الأحوال إلى عزل المرأة بقدر ما يهدف إلى ضمان حقوقها بما تنص عليه الشريعة الإسلامية.