وصل الموعد الانتخابي الذي كان حديث الشارع الجزائري في الآونة الأخيرة إلى طي صفحة التكهنات بالمشاركة الجماهيرية والنتائج المنتظرة، لتفتح نافذة أخرى على تحليل النتائج وتفاعل الشارع الجزائري مع الحدث، وهو ما قامت به ”الفجر”، التي جمعت ردود فعل بعض الأكاديميين والمختصين الذين قدموا قراءاتهم الخاصة لانتخابات 2012... إسماعيل دبش: ”الواقعية هي التي فرضت نفسها في هذه التشريعيات” من خلال قراءتي للمشهد السياسي الوطني بعد تشريعيات ال 10 ماي الجاري، يمكنني أن أقول بأن الرهان الذي كان على الشباب أن يتحملوه جاء وفق ما تطلبته الحكمة والواقعية، فكسب الشباب الجزائري هذا الرهان وسار مع المنطق، فالبعض منهم انتخب القوائم التي لم تكن تسير خلف الوعود الوهمية التي اعتاد هؤلاء سماعها، فيما كان للبعض الآخر تصويت بالورقة البيضاء التي تدل على أن هذا الشباب واع بالمسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقه، وحين ناداه الواجب الوطني لبى هذا النداء وعبر عن رأيه بكونه لم يجد في القوائم الكثيرة والمتعددة التي ميزت هذه الدورة من الانتخابات التشريعية. من خلال هذا الواقع الذي شهدناه أول أمس، لاحظنا أن الأغلبية راهنت على الخطابات التي وجهت لبناء الدولة في المستقبل، وهذا ما كانت تنادي به غالبية الأحزاب العتيدة، فيما غاب هذا الخطاب عن الأحزاب الجديدة التي كانت أغلبية شعاراتها مبنية على الدعاية، وهو ما رجح الكفة للأحزاب الرائدة في المشهد السياسي الوطني، فكانت مشاركة الشعب الجزائري بغض النظر عن نسبة المشاركة في هذا العرس الوطني، نتيجة حتمية لما يطالب به هؤلاء، فجاءت مشاركاتهم كي يؤكدوا كرههم للتشتت وبحثهم المنطقي عن السلم والأمن والاستقرار، فرغم أن تصريحات السياسيين قبيل الموعد الانتخابي لم تكن في المستوى المطلوب أو الذي طالب به الشعب، فكانت بعيدة عن تعبئة الرأي العام خاصة فيما يتعلق بالأحزاب الجديدة التي غابت عنها الثقافة السياسية التي لعبت دورا حاسما في قلب موازين النتائج النهائية، إلا أنّ الغلبة كانت للأحزاب التي ركز برنامجها على الاقتصاد الاجتماعي الذي تطالب به غالبية الشعوب، بالإضافة إلى سياسة الدعم التي لعبت دوراً كبيراً في ترجي كفة الفوز لدى الأحزاب العتيدة، التي تمتلك ثقافة سياسية قلما نراها عند نظرائنا العرب على الأقل، وقد اكتسب هؤلاء المحنكون هذه الثقافة منذ حرب التحرير ضد المستعمر الفرنسي التي تعد المرجعية الأولى لهؤلاء، حيث أفرزت ثورة التحرير مجتمعا يهتم كثيرا بالجوانب السياسية التي ولدت من رحم الثورة، أما المرجعية الثانية فقد كانت وليدة التوجه الفكري والسياسي والإيديولوجي الذي كان نتيجة لمرحلة ما بعد الاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية، وهي نتيجة التوجه الاشتراكي الذي خلق نوعية من التفاعل السياسي في المجتمع الجزائري خلافا لبقية الأقطار العربية والمغاربية. المرجعية الثالثة التي أكسبت الأحزاب القديمة الشرعية على حساب الأحزاب الجديدة، فهو التميز الذي نجده في الوسط السياسي الجزائري مقارنة بنظرائه، وهي وليدة التعددية الحزبية التي ظهرت في الجزائر في سنة 1989 وللأسف أفرزت لنا وضعا سيئا في مرحلة التسعينيات، ولكن وفي نفس الوقت أفرزت لنا آثارا إيجابية على مستوى التفكير، بمعني أن المجتمع الجزائري أصبح يهتم أكثر بالاستقرار والوحدة الوطنية والبدائل السياسية، وهذا ما تجسد في الوئام الوطني والمصالحة الوطنية التي كانت رسالة جماعية للمجتمع الجزائري. النقطة الرابعة تتمحور أساسا في التنشئة السياسية التي ولدت مبكرا في الجزائر وتأخره بالنسبة للأقطار العربية، فكان هناك اندفاع سياسي لمختلف شرائح المجتمع، بمن في ذلك المثقفون الذين واكبوا مختلف مراحل التعبئة السياسية منذ عهد الحزب الواحد وصولا إلى ما نحن عليه اليوم من فكر سياسي، هم الآن يقودون مختلف التكتلات الحزبية الموجودة في الجزائر، فحين ننظر إلى قوائم المرشحين لتشريعيات العاشر من ماي المقبل نجد هناك تنشئة سياسية وثقافية وإن كانت تمثل قلة قليلة في قوائم تلك الأحزاب والتكتلات، ولكن وجودها في القوائم وبعد ذلك في البرلمان القادم يجعلنا نعول على وجود نخب مثقفة تصنع القرار السياسي والاجتماعي في الوسط الاجتماعي، على الرغم من أن هذه الأحزاب خالية من برامج سياسية بديلة، بل هي برامج مستنسخة من أحزاب سابقة هي موجودة اليوم في الساحة الوطنية. علي رزاقي: ”نداء الرئيس قلب موازين المشاركة” أعتقد أن المشاركة في انتخابات 2012 كانت لصالح الشيوخ على حساب الشباب الجزائري، حيث سجلت مشاركة كبيرة للشيوخ الذين ذهبوا إلى صناديق الاقتراع تلبية لنداء رئيس الجمهورية، الذي توجه بخطابه عشية الانتخابات للمواطنين، ما حفز هذه الشريحة ودفعها إلى الخروج بقوة تلبية لناء واجب الانتخاب، وهو ما عزز نسبة مشاركة الشيوخ في الانتخابات لدرجة أن هناك بعضا ممن لم يجدوا صورة الرئيس في صناديق الاقتراع رفضوا التصويت وتراجعوا عن أداء واجبهم الوطني، وهو ما يؤكد أن المواطنين الجزائريين لم يصوتوا لبرنامج حزبي معين وإنما صوتوا لصور شخصيات معروفة كانت حاضرة دوما في أذهانهم. وهي النقطة التي راهنت عليها معظم الأحزاب السياسية القوية والتي دخلت معترك الانتخابات البرلمانية واختارت أن تمثلها بوجوه سياسية معروفة كانت دوما حاضرة أمام الجمهور الجزائري، لذلك فالمصوت الجزائري كان يصوت على الصور لا على الأرقام، ووزارة الداخلية نجحت في وضع صور رؤساء الأحزاب على الأوراق الانتخابية، ما سهل مهمة الوجوه السياسية المعروفة في المرور بكل بساطة إلى مرتبة الاختيارات الأولى، وسمح بأن تكون لها الأفضلية في اختيارات الهيئة الناخبة الجزائرية، إضافة إلى أهمية خطاب رئيس الجمهورية الذي ساهم في ترجيح الكفة لصالح جهة محددة حيث كان النداء واضحا إذ قال أنتم تعرفون أين أكون فصوتوا بقوة. كما لفت نظري أثناء هذه الانتخابات سلوك خاص انتهجه بعض المواطنين الذين وضعوا صورا كاريكاتورية بدل أوراق المنتخبين، وهو دليل آخر على أن الشباب لم يصوت على البرامج الانتخابية للأحزاب، ونستطيع القول أنه نوع من العزوف الشبابي وصور من صور رفض المشاركة. من جهة أخرى أرى أن الهدف الأساسي من رفع نسبة المشاركة في هذا العرس الانتخابي لا يتعدى كونه ردا على حملة المقاطعة، خاصة وأن مسألة المقارنة بين انتخابات 2007 والانتخابات الأخيرة لا أساس له من المنطق لأنها مقارنة قدمها وزير الداخلية قبل غلق مكاتب الاقتراع في حدود الساعة السادسة دون اللجوء إلى محللين أو إعلاميين وغيرهم ممن تتوفر فيهم أحقية إجراء المقارنة، لذلك فأنا أؤكد أن هذه المقارنة الفردية لوزير الداخلية هي في الحقيقة رد صريح على المقاطعين للانتخابات. سليم قلالة: ”مرجعية ثورة نوفمبر لازالت تملك قوة التأثير” بينت نتائج الانتخابات الأخيرة أن الساحة السياسية الجزائرية لم تخرج عن أكثر من ثلاثة اتجاهات كبرى: وطني تاريخي محافظ وتمثله جبهة التحرير الوطني، ووطني إسلامي: وتمثله الأحزاب الإسلامية مهما كانت التسمية التي تأخذها، ووطني ديمقراطي وتمثله الأحزاب المنافسة للاتجاهين الأول والثاني، بما يعني أن إطار الحركة السياسية في الجزائر مازال محددا من خلال المسافة التي يأخذها كل حزب من الخط الوطني التاريخي، أي أن مرجعية ثورة نوفمبر مازالت غالبة على المرجعيات الأخرى في التأثير على الساحة السياسية إلى اليوم. ودلالة ذلك أن الأطروحات المقدمة لحد الآن لتكون بديلا عن الطرح التاريخي المحافظ لم تستطع أن تتجذر في الواقع الجزائري أو تجد لنفسها مكانة كبيرة، ما يعني أن المراهنة على تحول مفاجئ لدى المجتمع الجزائري مازالت غير مجدية. وهذا يعطينا إشارة واضحة عن مستقبل التحول في السلطة الجزائرية الذي لن يأخذ مسار البلدان العربية المجاورة أو التي حدث بها ما يُعرف بالربيع العربي بل سيأخذ مسارا آخر. هذه النتيجة هي سيف ذو حدين بقدر ما يمكنها أن تبين درجة استقرار الجزائر وبقاء الاتجاهات على حالها، بقدر ما يمكنها أن تمنع التغيير النوعي المرتقب، ما يقدم مبررات إضافية للذين يسعون إلى إدخال الجزائر ضمن دائرة اضطرابات جديدة، وهنا نقول إذا ما بقي الأداء بنفس الوجوه أو بوجوه معروفة برداءتها، وإن أفرزها البرلمان، وهذه من مساوئ الديمقراطية، فالخوف كل الخوف أن يتحكم هؤلاء في مجرى الأمور مرة أخرى ويدخل الجزائريون ضمن دائرة اليأس التي كان لخطاب رئيس الجمهورية الأخير دور في تضييقها من خلال تأكيده لنهاية مرحلة وبداية أخرى. يوسف حنطابلي: ”عزوف الشباب عن الانتخابات يطرح التساؤل؟” أعتقد من وجهة نظر سوسيولوجية بأن الانتخابات التشريعية لم تحمل معها الجديد بدليل تناقض وجهة نظر الأحزاب السياسية وكذا لامبالاة الفئات المختلفة للشعب الجزائري لها، وإذا كانت نسبة المشاركة تعدت الأربعين بالمائة فإن النسبة الباقية 60 بالمائة وهي التي لم تصوت حتى وإن جرت الانتخابات بطريقة شفافة ونزيهة كما قيل تظل تطرح علامة استفهام كبرى حول عدم مشاركة الشعب بقوة ؟ وببساطة الشعب يريد التغيير على جميع الأصعدة لأنه مل من الوعود الكاذبة، من جهة أخرى بروز أحزاب سياسية أخرى مثل حزب تكتل الجزائر الخضراء يعطي طابعا آخر نحو التغيير يضاف إلى الناخبين الذين لم يصوتوا وكذا الذين صوتوا بأوراق بيضاء. من جانب ثان المؤشرات الآن تتقدم لصالح جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، ولذلك فهذا لا يعني أنهما قوة سياسية بارزة إذا ما نظرنا إلى فئة المصوتين التي يمثل الشيوخ جزءا عريضا منها داخل هذه الأطياف، وبالتالي فالنسبة الغائبة هي فئة الشباب الذي قابل هذه الانتخابات ببرودة ولا مبالاة باعتباره يمثل النسبة الأكبر في فئات المجتمع الجزائري يجب أن يحسب لها ألف حساب، باستثناء المصوتين من الشيوخ ومناضلي تلك الأحزاب، وبالتالي ما تم الإعلان عنه أول أمس حول المشاركة وعدد الناخبين بالداخل والخارج يبقى مجرد تصور وانطباع غير متوازن وليس قراءة مستقبلية دقيقة للأوضاع السياسية والاجتماعية في الجزائر، بسبب التناقض المسجل تجاه هذه التشريعيات والتي كان فيها الإقبال محتشما جدا من طرف الناخبين، بالإضافة إلى نسبة التصويت الضئيلة التي سجلت في ولايات معينة من الوطن رغم تزايدها مقارنة بالتشريعيات السابقة، وكذا جملة الأحداث والوقائع التي عرفتها بعض مراكز الاقتراع في تعبير عن رفضها ومقاطعتها لهذا الحدث الوطني.