انتقد قانونيون وسياسيون، عدم حسم السلطة في الجزائر على مدى خمسين سنة من عمر الاستقلال في شكل النظام السياسي القائم إن كان رئاسيا أو برلمانيا أو يجمع بين النظامين. ترى أستاذة القانون مايا ساحلي، أن ”الجزائر لا زالت تعيش مرحلة انتقالية وكأننا في مرحلة هيمنة الحزب الواحد على دواليب السلطة خلال سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي، وأبرز ما يؤكد ذلك عدم تعيين حكومة جديدة وتقديم الوزير الأول والحكومة بشكلها الحالي استقالتها لكننا لم نلاحظ ذلك مع الجدل الذي رافق الانتخابات التشريعية الأخيرة”. قانونيون وسياسيون يفتحون مع ”الفجر” الملفّ ”المبهم” جدل الحسم في النظام السياسي متواصل بعد نصف قرن رزاقي: ”أستبعد حدوث تغيير جذري يمس أهم بنود الدستور الحالي” ساحلي: ”الجزائر لا زالت تعيش مرحلة انتقالية” عادت المتخصصة في القانون الدستوري في حديثها ل”الفجر” إلى الدساتير التي مر بها النظام الجزائري وذلك بأهم ثلاث دساتير كانت اللبنة الأساسية في تأسيس الدولة الجزائرية، منها دستور 76، 89 و96 حيث جاء نظام 1989 بأول خاصية في تاريخ الجزائر المستقلة المتمثلة في الفصل بين السلطات التنفيذية، التشريعية والقضائية والسؤال المطروح هل تم احترام هذا الفصل في السلطات في التعديلات اللاحقة في الدستورو وحسب ساحلي، فإن الوزير الأول أصبح مسيرا فقط مع تقديم رئيس الجمهورية صلاحيات أوسع أدت إلى هيمنة السلطة التنفيذية، ولم تنف أستاذة القانون وجود الإيجابيات التي طبعت الساحة السياسية بعد خمسين سنة من الاستقلال لكن في المقابل فإننا نعيش سنوات الحزب الواحد فالأحزاب لم تأت ببرامج واضحة بعد أكثر من عشرين سنة على التعددية السياسية والحزبية، إلى جانب غياب مشروع مجتمع ترتكز عليه وتقنع به الطبقة الشعبية وعليه فان الجزائر كأنها تعيش مرحلة انتقالية تستوجب إعادة النظر في الدستور والنظام السياسي بشكله الحالي. من جانبه استبعد المحلل السياسي والأستاذ بكلية العلوم السياسية والإعلام عبد العالي رزاقي، حدوث تغيير جذري يمس أهم بنود الدستور الحالي الذي تمّ تعديله خلال 2009 وسمح بعهدة ثالثة لرئيس الجمهورية، موضحا في تصريح ل” الفجر” أن الجزائر مرت بمرحلتين، مرحلة الحزب الواحد ومرحلة التعددية الحزبية والسياسية، ولم يكن الخوف من الدستور حسب رزاقي، بل كان خوف السلطة من ثورات الربيع العربي لذلك بعد اجتياز الجزائر هذه المرحلة زالت مخاوف السلطة وبالتالي التغييرات التي ستطال الدستور ستكون طفيفة. وينتقد مراقبون تقادم النظام السياسي في الجزائر ف ”بعد خمسة عقود من الاستقلال مازلنا نبحث عن شرعية ترتكز على برنامج واستراتيجية منظمتين وإنشاء هيئة تحدد سير الدولة وطريقة إدارتها وقيادة واحدة ومنسجمة” حسب تحليل رئيس الوزراء السابق أحمد بن بيتور، أما الأستاذ الجامعي والخبير في الإدارة الإستراتيجية عبد الرحمن مبتول فقد أوضح أنه ”بعد خمسين سنة من الاستقلال السياسي، الوضع مرير: هرم النخب السياسية المنبثقة عن حرب التحرير وتقادم النظام السياسي ورهانات الحكم الداخلية وأزمة اقتصادية، اجتماعية وثقافية وأخيرا اشتداد الضغوط الخارجية”. أمين لونيسي رئيس حركة مجتمع السلم أبو جرة سلطاني ل”الفجر:” ”الرئيسان الشاذلي وبوتفليقة حرفت إصلاحاتهما” قال رئيس حركة مجتمع السلم، أبو جرة سلطاني في تصريح للفجر، أن الجزائريين ما زالوا بعد 50 سنة من الاستقلال رهائن للشرعية الثورية التي فرضت عليهم بين 19 مارس و5 جويلية 1962 و أن الدساتير السبعة التي عرفتها البلاد تسير بالذهنية التاريخية ومن رفض فهو خائن أو متآمر. قال أحد قادة تكتل الجزائر الخضراء بخصوص الفوضى التي تعرفها الساحة السياسية وغياب تقاليد سياسية قارة وواضحة رهنت الهوية السياسية الجزائرية، أن كل الدساتير التي عرفتها الجزار منذ 1963 إلى غاية 2008 اعتمدت على المرجعية التاريخية وهوية الثورة و”اعتبرت ذلك أصلا من أصول الحكم على مستوى التفكير، التنظير، التشريع والممارسة، وكل من يرفض الانصياع لمنطق التاريخ يجد نفسه معارضا مدى الحياة أو تابعا لسياسات تحتاج إلى تقويم، مضيفا بأن الخطر الأكبر أن بعض الثوريين اللذين حاولوا اعتماد إصلاحات عميقة وشاملة مثلما حدث مع الرئيس الشاذلي بن جديد سنة 1988 والرئيس عبد العزيز بوتفليقة 2011، حرفت اصلاحاتهما واتهموا بأنهم يريدون الانتقال من الشرعية الثورية إلى شرعية الدستورية وتسليم مقاليد الحكم والثروة إلى جيل جديد لا يؤمن كثيرا بالمرجعية التاريخية بمقدار ما يهتم بالحاضر. فاطمة الزهراء حمادي قال إن النخب تحتفظ بالمفهوم الكنسي للدين وليس القرآني جاب الله: ”نعم، عشنا 50 سنة من أزمة الهويّة” أكد الشيخ عبد الله جاب الله، رئيس حركة العدالة والتنمية، أنه ”على الرغم من مرور خمسين سنة عن الاستقلال لا تزال الجزائر تعاني من أزمة هوية”، واستدل بأن آثار تلك الأزمة ”نلمسها في عموم الشعب الجزائري لايدرك مكونات الهوية إدراكا معرفيا عميقا، كما أن سلوكاته لا يزال يكتنفها الكثير من الغموض”. وحمّل الشيخ النظام السياسي مسؤولية عدم احتفاظ الجزائريين بهويتهم، وقال أن من تداولوا على تسير المنظومة التربوية استوردوا نماذج جاهزة من الغرب لا تنطبق على الجزائريين معتبرا أن ذلك جزء من الكل ليس له عناوين عربية، وأشار جاب الله، إلى أن ”أغلبية الجزائريين لديهم المفهوم الكنسي للدين و ليس المفهوم القرآني للإسلام حيث يجهرون بأنهم مسلمون دون أن يؤدوا الصلوات مثلا”، وقال أن ”انتشار هذا المفهوم الخاطئ للهوية تم لأن نخب المجتمع تحمل هذا المفهوم الخاطئ، وهو ما ساعد على إبعاد الجزائريين عن هويتهم”. وقال رئيس حزب العدالة والتنمية، إنه على الرغم من أن الدستور ينص على صون هوية الجزائريين ويعد الثالوث الأساسي لذلك و هو الدين، العروبة والإسلام، غير أن القوانين لم تراع مضمون الدستور تماما فيما يتصل بالحفاظ على الهوية وخاصة في البرامج التربوية”. شريفة عابد الصالح كوجيل: ”لقد كسبنا حرب الحفاظ على الهوية الوطنية” يرى المجاهد والعضو القيادي في حزب جبهة التحرير الوطني، صالح كوجيل، أن حرب الحفاظ على الهوية الجزائرية بعد الاستقلال، كان جد صعب وتحد كبير واجهته الحكومة الجديدة، وربط الأمر بالقلة الكبيرة للإمكانيات والمدرسين وخروج الجزائر مخربة من حرب طاحنة مع المستعمر. ويؤكد أن الفرنسية التي طبعت المدارس والإدارة بعد الاستقلال كانت حتمية واجهتها الدولة الجزائرية واستطاعت تجاوز الصعوبة، خاصة وأن العدد الحالي للمتعلمين وحاملي الشهادات. وأكد أنه مع مرور الوقت استطاعت الجزائر الحفاظ على شخصيتها وهويتها التي حاول الاستعمار طمسها باستعمال أساليب مغرضة على المستوى الديني، الاجتماعي واللغوي وهذا بسبب تشبث الشعب الجزائري بهويته وشخصيته. شريفة عابد الناطق الرسمي لحزب العمال، جلول جودي ل”الفجر” ”غياب مجلس تأسيسي منذ الاستقلال لم يصنع دستورا ولم يؤسس للديمقراطية” قال الناطق الرسمي لحزب العمال جلول جودي، أن غياب المجلس الدستوري الذي عرفته الجزائر عشية الاستقلال عن صياغة الدستور جعل البرلمان في واد والدستور في واد آخر، جعل السلطة لا تحترمه في الكثير من الأحيان بعدم تطبيقه، مؤكدا المجلس التأسيسي لم يصنع الدستور ولم يؤسس للديمقراطية. وأضاف النائب بالبرلمان، أنه كثيرا ما يطرح السؤال حول النظام السياسي الذي تتبناه الجزائر أمام عدم وضوحه وضبابيته، لكن الأكيد أن النظام الحالي هو خليط بين البرلماني والرئاسي أملا في المستقبل أن تتبن الجزائر النظام البرلماني لأنه الأصلح للشعب لقدرته على مراقبة الحكومة والإلمام باحتياجات كافة فئات المجتمع.