ألا ينذر ما يجري في سوريا اليوم، وما يلوح به إعلام الثورات بمعركة حلب الحاسمة بحرب كونية ثالثة، ستنطلق شرارتها من هذا البلد، ولا أحد بإمكانه التنبؤ بحدودها وبالمساحة التي يغطيها دخانها وتلتهمها نيرانها. منذ قرابة قرن، ابتلي العالم بحرب مدمرة سميت بالحرب العالمية الأولى، انطلقت شرارتها من الصرب وامتدت نيرانها لتغطي كل أوروبا وأجزاء من آسيا، وها هي اليوم سماء الشرق الأوسط تتلبد بالغيوم وتنذر بطوفان كبير، طوفان لن يغرق سوريا وحدها، بل ستمتد سيوله حتى الحجاز، ولن تسلم عرابة الحروب قطر ولا الأردن، وستتحول من ثورات تطالب بالديمقراطية، إلى حروب طائفية يطول أمدها وحتى عند انتهائها، ستخلف المكان للضغائن والانتقامات. الكل يستعد لمعركة حلب، يقول إعلام الثورات المعارضة التي تتلقى دعما وسلاحا من مثلث أصدقائها، الرياض، الدوحة وأنقرة. فقد خصصت السعودية وقطر 4 ملايير دولار لدعم المعارضة السورية وهيأت تركيا كل الأسباب اللوجستيكية لتزويد المعارضة السورية بالسلاح للإطاحة بنظام بشار، لأن الذي سيسيطر على حلب سيضمن السيطرة على كل المناطق المحيطة بها، والنظام أيضا شحذ كل قواه لتوجيه ضربة قاضية للمعارضة هناك، لأنه غير مستعد للتنازل ما دام مدعما بأزيد من 50 في المائة من الشعب السوري. حتى أن هناك من شبّه حلب ببن غازي ليبيا، على أنها ستكون عاصمة النظام الجديد، في انتظار أن يحسم الأمر بدمشق بسقوط الأسد. لكن الأمر لن يكون بهذه السهولة، وحلب الشهباء غير بن غازي، لأن الفرق بين الأسد والقذافي شاسع، فلم يكن للقذافي من أصدقاء يراهنون عليه، ولم يكن هناك من يقبل أن يتورط معه بمن في ذلك الجزائر التي اتهمت بدعمها له وتبيّن فيما بعد أنها لم تكن لتحميه أو حتى تقبل بدخوله إلى أراضيها، بينما لسوريا أصدقاء مستعدون لحمايتها في حالة غير الغرب موقفه وسعت قوات الناتو لشن هجوم على سوريا للتعجيل بإسقاط الأسد مثلما فعلت في ليبيا، وهو الأمر الذي أطال عمر المأساة السورية، فكانت النتيجة أن المعارضة اخترقت من قبل المخابرات الأمريكية والإسرائيلية وعناصر القاعدة والتنظيمات الجهادية الأخرى، والنظام ازداد شراسة في قمعه للمعارضة، والنتيجة هي ما نراه اليوم من دمار للبنية التحتية السورية ومن خسائر في الأرواح. الأكيد أن الغرب لن يتورط مع سوريا مثلما تورط مع ليبيا، ولن تأتي هيلاري كلينتون إلى حلب وتعطي أمرا بتصفية الأسد مثلما فعلت مع القذافي، لأن لا إيران ولا حزب الله ولا حتى روسيا والصين سيفرطون في النظام السوري، وإن حصل، ستدخل ليس المنطقة وحدها في الحرب، بل ستكون سوريا صربيا أخرى لحرب عالمية ثالثة ربما لن تغير خارطة العالم فحسب، بل ستختفي الكثير من البلدان والأمم من الخارطة إن كان هناك حقا سلاح نووي مثلما يدعي الغرب، وإن تم استعمالها مثلما يهدد النظام السوري بذلك. الخاسر لن يكون الشعب السوري وحده بل كل العرب، فلن تكون هناك أمة عربية ولا حلم وحدة العروبة للحفاظ على المصالح والهوية، لأن ما أبداه نظاما قطر والسعودية ضد الدول العربية، ولن أقول الأنظمة، سيسجله التاريخ، مثلما سجل الخيانة الكبرى التي أعطت فلسطين لليهود.