عرفت دول ما يسمى بالربيع العربي بمجرد تفجر الاحتجاجات المطالبة بتغيير النظام سواء في ليبيا أو سوريا أو غيرها تشكل ”مجالس انتقالية وطنية” صاحبت تفجر ”الثورات”، إلا أن هذه المجالس لم تولد من رحم الشعوب المنتفضة ضد الظلم والإقصاء بل صنعت في الخارج وتلقت الدعم السياسي من خلال المسارعة في الاعتراف بها ومنحها شرعية تمثيل الشعوب ودعمها إعلاميا وماليا، مثل ما حدث مع مجلس عبد الجليل في ليبيا وحتى بالسلاح مثلما ما يحدث اليوم مع المجلس الانتقالي السوري. سارع الغرب وبعض حلفائه في المنطقة الخليجية إلى تبني الاحتجاجات أو ”الثورات” التي عرفتها دول ”الربيع العربي” بمجرد تفجرها، فبعد أن صمتت هذه الدول وترددت وارتبكت نوعا ما مع ثورة الياسمين المفاجئة، إلا أن الدول الغربية وبعض دول الخليج لم تترك الأوضاع تتطور على عفويتها بل سارعت إلى تحضير ”البديل” للأنظمة الدكتاتورية العربية المتواطئة معها وذلك ليخلف هذا البديل الأنظمة القائمة ويواصل تحقيق مصالحها وأجنداتها في المنطقة. ولم يبخل الغرب ولا حلفاؤه في الخليج على هذه المجالس الانتقالية على جميع المستويات، حيث دعموها إعلاميا فركزت على إبراز رموز هذه المجالس إعلاميا في صورة المدافعين عن ”الثورة” رغم أن بعض الوجوه مثل عبد الجليل كان وزيرا للعدل في نظام القذافي لسنوات طوال ؟؟ ودعمتها سياسيا فكانت الولاياتالمتحدة وأوروبا وبعض دول الخليج من السباقين إلى الاعتراف ب”شرعية ”المجالس الانتقالية هذه ومنحها صفة تمثيل الشعوب، رغم أنها لا تمثل كل أطياف المجتمعات المنتفضة وقدمت لها السند المالي، فكنا نسمع في كل مرة عن دعم مالي يقدمه الغرب والخليج لهذه المجالس في حين تمتنع هذه الدول عن دعم الاقتصاد المصري مثلا بعد ”الثورة” كأسلوب ضغط آخر لتنفيذ توجيهات معينة. ولم يكتف الغرب ومعه دول الخليج بالدعم المادي بل وصل الأمر إلى الدعم بالحروب والسلاح، مثلما تدخل حلف الأطلسي عسكريا في ليبيا وغير النظام بالقوة، مخلفا ضحايا مدنيين لازالت المنظمات الحقوقية تطلعنا على جرائمهم كل يوم، وذلك من أجل الحفاظ على سيطرة الغرب على منابع النفط الليبي في النظام الجديد، وهو ما حصل بالفعل، حيث تقاسم الحلفاء أصدقاء المجلس الانتقالي الليبي الكعكة الليبية في حين ما زال الشعب الليبي يعيش الحرمان والفقر وعدم الاستقرار الأمني أكثر من زمن القذافي...كما تعكف اليوم دول الخليج بإيعاز غربي على تسليح المعارضة السورية بعدما تعذر التدخل العسكري نظرا لغياب عامل النفط من جهة وعدم رغبة الغرب بالمغامرة في حرب جديدة خاصة بالنظر لخصوصية المنطقة... وذلك كله من أجل إيجاد نظام بديل يغير من استراتيجيته مع دول الخليج ويعيد النظر في علاقاته مع إيران وحزب الله حفاظا على أمن إسرائيل. ورغم أن تونس فلتت من فكرة المجلس الانتقالي التونسي، إلا أن قطر سارعت إلى دعم حركة النهضة التونسية ماديا وإعلاميا لضمان نظام جديد موال لها ولحلفائها. وهو ما نلاحظه اليوم حيث تتحدث الحكومة التونسية مثلا عن قضايا خارجية مثل الملف السوري وتستضيف مؤتمراته أكثر من معالجة قضايا داخلية. مسعودة طاوي خيانة في مصر، مطالب بالتطهير في ليبيا، انشقاقات في سوريا ومظاهرات في تونس مجالس ”الربيع العربي” تتحول إلى مجالس ”المغضوب عليهم” تتجه الأنظار اليوم في الدول العربية التي عرفت تغيير الأنظمة فيها وفق أجندة ما يطلق عليه إعلاميا ”الربيع العربي” نحو أداء المجالس التي تشكلت على أنقاض الأنظمة السابق، ففي تونس ومصر يوجه المجلس التأسيسي ومجلس الشعب حالة من الضغط والغضب الجماهيري بسبب أدائهم بطريقة وصفها المصروين بخيانة الثورة والتونسيين بخطفها بينما يقود شباب ليبيا حملة تطالب بتطهير المجلس الانتقالي الليبي. استهجن الشارع المصري سياسة نواب مجلس الشعب المصري سيما منهم الذين ينحدرون من تيار الإخوان المسلمين الذي ينتمي إليه أغلبية نواب مجلس الشعب المصري، وأيضا التيار السلفي الذين أطلقوا مؤخرا دعوات جدلية من داخل قبة مجلس الشعب أثارت حفيظة الشعب المصري، ومن بين تلك الدعوات ما صرح بها النائب بمجلس الشعب أبو العز الحريري قائلا بأن هناك مشروع قانون من أعضاء مجلس شعب عن أحزاب الحرية والعدالة والنور يعفو عن الرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي لا يزال يحاكم في عدة قضايا منها التحريض على قتل المتظاهرين خلال الثورة الشعبية التي أطاحت به، وأوضح النائب خلال مقابلة إعلامية على إحدى القنوات المصرية أن هذا المشروع يعد ”خيانة للثورة” خصوصا وأن الشعب قام بالأساس ضد هذا الرئيس الذي قام طوال ثلاثة عقود بتخريب ونهب مصر، كما عبر الشارع المصري عن امتعاضه من الدعوات التي أطلقها مؤخرا نواب لدراسة مشروع قانون يقضي بتطبيق ”حدّ الحرابة” على جرائم القتل والسرقة وبادر بعرضه النائب عادل يوسف العزازي عن حزب النور السلفي، وشنّ حقوقيون مصريون هجوما عنيفا على المشروع مشيرين إلى تعارضه مع الاتفاقيات والالتزامات الدولية التي وقّعت عليها مصر منذ سنوات طويلة. أما في تونس، التي توصف بأنها شرارة ”الربيع العربي”، فلم تتوقف بها المظاهرات والإعتصامات المنددة بإدارة المجلس التأسيس التونسي والحكومة التونسية، وامتدت الاحتجاجات في تونس إلى سقف المطالبة بإقالة الحكومة، كما بات يأخذ التصعيد بين الشارع التونسي والنظام الجديد في البلاد طابعا أيديولوجيا بعد قيام التيارات السلفية بحملة ضد الهوية التونسية التي ينادي بها النظام التونسي، ويقف الرئيس التونسي المؤقت منصف المرزوقي أمام سيناريو صعب لإدارة الأزمة. أوضح المرزوقي أن حق الاعتصام مكفول مادام لا يمس بالهوية التونسية، كما وجه المرزوقي دعوة عامة لقيادات الحركات السلفية في تونس وغيرها من التنظيمات الإسلامية لبحث بعض المسائل الحساسة في تونس عبر إجراء مناظرة تلفزيونية لدراسة سبل تجاوز الخلافات الإيديولوجية التي تهدد الحكومة التونسية بالسقوط. وعن حالة المعارضة السورية الحالمة بإسقاط النظام السوري عبر سيناريو ليبي، يعيش المجلس الوطني السوري المعارض هذه الأيام أحلك أيامه وفق تقرير المعارضين أنفسهم، كما نشرت صحيفة ”نيويورك تايمز” تحقيقاً عن الانقسامات التي تعاني منها المعارضة السورية المناوئة لنظام الرئيس بشار الأسد. أوضح التقرير أن منظمة المعارضة السورية الرئيسية لا تزال تعاني من تفكك خطير، خصوصا مع اتساع دائرة المستقيلين من المجلس الوطني السوري المعارض، بينما طغى على المجلس استبداد ويسيطر الإخوان المسلمون، وتزايدت مشاعر الإحباط داخل المجلس الوطني السوري بعد سيطرة الحكومة شبه الكاملة على حمص وإدلب، فرغم الحملة الإعلامية الدولية والعربية ضده بدا النظام السوري أكثر تماسكا من أي وقت، ورغم مرور عام من اندلاع الأزمة، وهو ما زاد من حدة الانقسامات داخل المعارضة السورية سواء المجلس الوطني السوري الذي يترأسه برهان غليون وحتى القوات المسلحة المعارضة التي تطلق على نفسها اسم ”الجيش الوطني الحر”. علال محمد يعودون إليه بلافتات ضد ”ثورة 17 فبراير” ومخططات الانقسام الليبيون يحجون إلى ميدان الجزائربطرابلس للمطالبة بتطهير الانتقالي الليبي أكد الناشط الليبي سراج هويدي، رئيس حركة سواء الليبية في تصريحات ل”الفجر”، قيام حركته بعدة اعتصامات ومظاهرات تركز أغلبها على تصحيح مسار الثورة، بعد أن لاحظنا أن الثورة بدأت تحييد عن مبادئها، كما أوضح بيان المكتب السياسي للحركة الليبية الشبابية أنهم قرروا اتخاذ ميدان الجزائر وسط العاصمة الليبية مركزا لاعتصامتهم المطالبة في شقها الأبرز بإقالة أعضاء المجلس الانتقالي السوري الذي كانت تربطهم علاقات بالنظام المخلوع. وصف سراج هويدي، رئيس حركة سواء الليبية، الأوضاع السياسية في ليبيا بعد سقوط نظام الراحل معمر القذافي بغير المطمئنة، مشيرا في تصريحات ل”الفجر” أن حركة سواء دعت إلى عدة اعتصامات ومظاهرات تنطلق من ميدان الجزائر وسط العاصمة الليبية طرابلس، وذلك للتأكيد على ضرورة تصحيح مسار الثورة. وقال: ”لقد لاحظنا أن الثورة بدأت تحيد عن مبادئها جراء تعيين عدد من المسؤولين السابقين في نظام القذافي في مناصب قيادية سواء داخل البلاد أو في السفارات بالخارج، وأيضاً كانت هناك بعض التجاوزات والتلاعب في بعض فقرات الإعلان الدستوري وقانون انتخاب المؤتمر الوطني العام”. وبخصوص ما يسمى بإعلان ”إقليم برقة”، فمن وجهة نظري الخاصة، قال: ”هو أمر مفتعل لا غير، عملاً بقاعدة نعوم تشومسكي الشهيرة ب”إستراتيجية خداع الجماهير” والهدف من ورائه تحريك الشارع الليبي ليطالب بما كان يرفضه في السابق، وهو المساواة بين الشرق والغرب والجنوب في عدد مقاعد المؤتمر الوطني العام مقابل تخلي دعاة ”البرقاوية””. وشددت حركة سواء التي تضمن المئات من الشباب الليبي من مختلف المدن الليبية على ضرورة إقالة جميع قيادات المجلس الانتقالي الليبي الذي كانت تربطهم علاقات سياسية مع النظام المخلوع، وجاءت دعوة الحركة لتطهير الانتقالي الليبي عبر الاعتصام في ميدان الجزائر الشهير وسط العاصمة الليبية، والذي كان حديث الإعلام أيام الحرب التي أطاحت بنظام القذافي، وقال سراج: ”الشارع الليبي يطالب بالمساواة في توزيع مقاعد المؤتمر الوطني العام”. علال محمد يسعون لتشكيل حكومة منفى، المستقيلون من مجلس غليون ل”الفجر” ”لهذه الأسباب استقلنا من المجلس الوطني السوري” أوضح الدكتور كمال اللبواني المستقيل مؤخرا من المجلس الوطني السوري المعارض، في اتصال هاتفي أجرته معه ”الفجر”، أمس، أن أهم الأسباب التي دفعته رفقه عدد من أبرز المعارضين للاستقالة من المجلس الذي يترأسه برهان غليون، هي الاستبداد والاحتكار والشمولية الذي يمارسها تيار الإخوان المسلمين على المجلس الوطني السوري من أجل إعادة صناعة نظام استبدادي براية الإخوان المسلمين، كما قال اللبواني: ”المجلس الوطني السوري لا يمثل الشعب السوري إطلاقا وما هو إلا واجهة للإخوان المسلمين يسعى لإعادة صياغة الاستبداد”. وأضاف المعارض السوري البارز الذي قضى عشر سنوات في سجون النظام السوري، أنه شعر خلال الستة أشهر التي كان يعمل فيها تحت سقف المجلس الوطني السوري بأنه سجن من جديد، كما قال: ”المجلس هو خديعة كبيرة، وهو مجلس معطل وفاشل يحاول احتكار الثورة لصالح الإخوان المسلمين الذين يقبلون الرشوة وتدعهم دول عربية من أجل استنساخ نظام استبدادي في المنطقة تحت لواء الإخوان المسلمين”. وأضاف: ”الشعب السوري غائب تماما عن المجلس الوطني السوري، وغليون وأحمد رمضان بلعبون أدوارا قذرة داخله”. وأضاف: ”سوف تسمعون عن استقالات قريبا بالجملة من المجلس ولن يبقى إلا من يقبل الرشوة”. وأوضح المعارض السوري البارز أن خطواتهم القادمة للمواصلة في النضال السياسي ستشمل دعوة إلى تأسيس جمعية وطنية وانتخاب أمانة عامة وحكومة منفى، وإعلان دستوري من خلال التنسيق مع قيادات المعارضة المستقيلة من المجلس الوطني السوري. وقال كمال اللبواني: ”نوجه الدعوة إلى الاجتماع في إسطنبول من أجل تأسيس جمعية عامة جديدة تمثل الشعب السوري وسنقوم بالتنسيق مع الدول الكبرى لمساعدتنا في هذا المسعى الذي سنحارب عبره تيار الإخوان المسلمين الاستبدادي”. في سياق متصل، نقلت صحيفة ”واشنطن بوست” الأمريكية، عن هيثم المالح الذي يعتبر أحد المعارضين البارزين من الذين أعلنوا استقالتهم من المجلس الوطني السوري المعارضة، قوله: ”استقال من منصبه بسبب الفوضى داخل المجموعة والشك حول ما يمكنها تحقيقه، مضيفاً ”نحن لم نحقق أي إنجاز يذكر في العمل والتسليح”.