اختار صناع القرار في قصر الإليزيه إلقاء زخم ”زيارة دولة” الرئيس الفرنسي هولاند المقررة هذا الأربعاء، ليلتقطها شارع الساسة الجزائريين منذ أسابيع في شكل رسائل ”مشفرة” تحاول تحديد أجندة الزيارة ب”حذر”، نظرا لما تحمله من هواجس لدى الرأي العام الوطني والفرنسي وتضع النقاط على الحروف لكلا الطرفين. ”سيأتي هولاند إلى الجزائر بخطاب كبير يتخلى عن الخطاب القديم الذي طبع السنوات السابقة من الجانب الفرنسي” هكذا صرحت يمينة بن قيقي، الوزيرة المنتدبة لدى وزير الخارجية الفرنسي المكلفة بالفرانكفونية مؤخرا خلال زيارة لها إلى الجزائر، في إشارة إلى انتهاء حقبة اليمين الفرنسي المتطرف ”المتهم” بتلبيد العلاقات بين البلدين لسنوات، لكن خطاب الرئيس الاشتراكي هل سيقود إلى ”مرحلة جديدة” مثلما قال الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وذلك بالفصل في قضايا الذاكرة، معاهدة الصداقة، اتفاقيات 68 للهجرة، تعويض ضحايا التجارب النووية ومزاعم ممتلكات الكولون في الجزائر، و”بالمختصر المفيد” هل ستطرق مسامع الرأي العام الجزائري والفرنسي ”الاعتراف بجرائم الاستعمار الفرنسي بحق المدنيين، أم سيبقى ”الملف شائكا” يلغم تطبيع العلاقات السياسية ”إلى حين”، خصوصا وأن الرئيس الفرنسي فضّل إلقاء كلمة على نواب البرلمان بغرفتيه ومن خلالها إلى الشعب الجزائري، حيث ينتظر أن تكون ”أوجاع الماضي” وغيرها من القضايا العالقة بين البلدين في صلب الخطاب، ولو على طريقة ساركوزي ”الأبناء لا يعتذرون عن أخطاء الآباء”. ولكن وعلى اعتبار ما سيكون من الزيارة، فضل اليسار الفصل في مسألة تاريخية ”حالكة” في عهد الجمهورية الفرنسية الخامسة على وجه التحديد، برفض ”إعلان التوبة” يوم زيارة هولاند عن بشاعة آلة الاستعمار، حيث جاء على لسان وزير الخارجية لوران فابيوس يوم 20 أكتوبر الماضي استبعاد ”تقديم هولاند اعتذارا للجزائريين عن جرائم الاستعمار الفرنسي”، مضيفا ”أن الجزائريين لا يفضّلون العودة إلى الماضي” على حد قوله، ما يناقض موقف الوزير الأول عبد المالك سلال الذي قال بأن ”الجزائر مستعدة للتعاون مع فرنسا ولكن لا تنسى الحقبة التاريخية”، علما أن تصريحات فابيوس جاءت أياما قلائل بعد اعتراف هولاند ب ”القمع الدامي” الذي تعرض إليه في 17 أكتوبر 1961 متظاهرون جزائريون مسالمون رغم حظر التجول في باريس، ما اعتبرته تشكيلات سياسية جزائرية مجرد ”ذر للرماد في العيون” واعتراف ناقص، فيما أثار ردود فعل غاضبة وسط اليمن الفرنسي المتطرف. وفي سياق ذي صلة، أعلنت قبل بضعة أيام اللجنة الفرنسية الخاصة المنصبة في إطار قانون مورين، رفضها لكل ملفات الجزائريين ضحايا التجارب النووية الفرنسية في الصحراء المتعلقة بالاعتراف بصفتهم ضحايا، والمقدر عددهم بحوالي 32 ألف جزائري بحجة أن الأمراض المصرح بها في التقارير الطبية لا تندرج ضمن قانون مورين لسنة 2010، ما يبين أن إدراج قضية التعويضات لن يكون حاضرا لدى الجانبين، وهو الأمر المستبعد حسب رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها مصطفى فاروق قسنطيني من قيام فرنسا يوما ما بتعويض الجزائريين ضحايا جرائمها الاستعمارية إبان الثورة التحريرية وذلك بحكم التقادم. وتضع الجزائر ”شرط الذاكرة” أو ”الماضي الاستعماري الدامي” للرقي بالعلاقات، والذي يعد بمثابة ”مفتاح” يزيل الضبابية عن ”ملفات عالقة” ظلت محل تجاذبات لسنوات دون أن ترى النور، إذ تشدد على أهمية إعادة النظر بمشروع ”معاهدة الصداقة” التي كاد أن يتوصل لها البلدان في ختام زيارة الرئيس السابق جاك شيراك للجزائر في 2003، بعد أن رفضت طلبا فرنسيا لفتح ملف معاهدة الصداقة بين البلدين واستبدالها ب”شراكة إستراتيجية”. وبعد سنتين من المفاوضات غير المثمرة اختارت فرنسا توقيت التحضير لزيارة هولاند الأسبوع الماضي، لتؤكد ”أنها لن تعدل الاتفاق الثنائي المبرم سنة 1968 الذي يدير دخول وإقامة الجزائريين في فرنسا”، وهو ما ترفضه الجزائر وتحبذ أن تعامل على أساس القانون العام، أو بتعديل محتويات اتفاقيات 68. ويبدو أن باريس تحاول تحديد ”نقاط الظل” والمأمول منها خلال اليومين المقبلين الابتعاد عن السياق السياسي والتاريخي، عن طريق تكريس البعد الاقتصادي أكثر للزيارة بالعودة إلى تصريح هولاند الراغب في ”التطلع بعزم إلى المستقبل”، فضلا عن تحدث وزير النهوض بالإنتاج الفرنسي ارنو مونتبورغ، قبل بضعة أسابيع عن ”معاهدة إنتاج مشتركة”. بينما الجزائر ”المثقلة بالماضي الاستعماري” ترغب في ”مرحلة جديدة” لإحراز تقدم في علاقاتها الدقيقة مع باريس.