في الحلقة الثانية حول مذكرات المجاهد عبد العزيز واعلي من منطقة غرب الصومام ارتأينا التوقف عند المحطات التالية: الإعلان عن اكتشاف ”المؤامرة الزرقاء” بالقرب من مركز قيادة الولاية الثالثة بأكفادو في 1 سبتمبر 1958. صدى الإعلان عن تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في 19 من نفس الشهر، هذا الحدث التاريخي الذي اشتم منه مجاهدو الولاية ”رائحة الإستقلال”. عار جيش الإحتلال بالصومام، بداء بثكنة أقبو ومركز قندوزة الرهيب. مصاعب امداد الولاية الثالثة بالسلاح، وشهداء هذه المعركة المصيرية. عميروش يعلن عن اكتشاف ”المؤامرة الزرقاء” تدخل نوابه.. للحد من مخاطر التسرع يكشف المجاهد عبد العزيز واعلي بعض أوجه ”المؤامرة الزرقاء”، كما عاشها انطاقا من المنطقة الثانية (غرب بجاية الصومام) بالولاية الثالثة. تلقى مجلس المنطقة استدعاء عاجلا، للإجتماع في1 سبتمبر 1958 بالقرب من مركز المدرية (في جبال أكفادو).. فصدم الشاهد أول وهلة بصور مريعة في محيط المركز الذي عرف لاحقا، أنه أهم مركز لمحاسبة المتورطين في هذه المؤامرة. ترأس الإجتماع العقيد عميروش شخصيا، لأن قائد المنطقة النقيب أحمد أومرزوق (سي عبد الله) كان قد أسر في معركة تيزي أمغلاص، قبل أيام من الإجتماع ”في ظروف غامضة” حسب الكاتب. قبل افتتاح الإجتماع استعرض قائد الولاية عددا من كتائب جيش التحرير في منبسط المدرية الفسيح، ثم أحال الكلمة إلى النقيب عبد الحفيظ أمقران ليعلن عن اكتشاف المكيدة الزرقاء وأبعادها.. وخلاصة كلمة أن الهدف من ”المؤامرة هو ضرب الثورة من الداخل، أي بأيدي بعض رجالها”.. عقب ذلك جيء ”برؤوس المؤامرة” لأشهاد جمهور الحاضرين عليهم ”في مشهد مرعب، عراة ماعدا أسمالا بالية، ملطخين بدماء اختلطت بالأتربة”.. وحسب الكاتب أن العقيد عميروش أمر باعتقال جميع الجنود القاديمن من العاصمة بعد أبريل 1957” وقدأبدى أحمد فضال (حميمي) قائد المنطقة الأولى (شرق بجاية) تحفظه على هذه الصيغة، لأن هناك ضباطا على مستوى المناطق جاؤوا من العاصمة، قد يلتحقون بالعدو في حال تلقي مثل هذا الأمر وعقب المحاكات المتسرعة في البداية، تدخل الرائدان محند أوالحاج وحميمي والنقيبن عبد الحفيظ أمقران وأحمد قادري لرهن الإعتقال بعدد من الضوابط مثل: رهن التوقيف بشهادة ثلاثة فما فوق.. مثول المشتبه فيه أمام لجنة خاصة قبل تسليمه للنقيب حسن محيوز مسؤول التحقيق على مستوى الولاية بمركز المدرية.. وكانت محكمة الولاية في هذا المركز تتزلف من 9 أعضاء. ويضيف الكاتب ”أن اتساع نطاق المؤامر استوجب إنشاء فروع على مستوى المناطق، وقد تولى الرائد حميمي مهمة التحقيق بالمنطقة الرابعة (غرب تيزي وزو)، بينما تولى نفس المهمة بالمنطقة الثالثة (تيزي وزو) النقيب العربي التواتي. ويقدر عدد المتورطين في المؤامرة بنحو 600، يقسمهم كما يلي: برأت المحكمة ساحة 10٪ تقريبا. تمكن 5٪ من المشبوهين، من تسليم أنفسهم إلى العدو قبل اعتقالهم. تمكن عدد المعتقلين بمركز المدرية الولائي من الفرار، ومن المتورطين حسب الشاهد مدنيون ونساء، ويذكر الكاتب قرائن بادية وسلوكية لإثبات تورط هؤلاء منها: العثور لدى البعض على كميات من الزرنيخ (مادة سامة)، كانوا يبيتون استعمالها ضد المخلصين لقائد الولاية. استغلال المناصب الحساسة التي تمكنوا من الوصول إليها (مستشارون لقائد الولاية، أمناء مقرات القيادة في مختلف المستويات) لتلويث مناخ الثورة عبر سلوكات شاذة متعمدة مثل: 1 إهانة الأبطال واحتقارهم. 2 تخزين الأسلحة الجديدة وتزويد الوحدات المقاتلة بذخيرة فاسدة. 3 إقصاء المتعربين وتهميشهم.. ويفيدنا الكاتب بأن العدو خصص منحة 200 ألف فرنك، لكل عميل من الزرق يحمل بطلا على الإستسلام (عن طريق سوء المعاملة).. ويقدر عدد المتورطين الذين نفذ فيهم حكم الإعدام ب 550، من بينهم 412 تم إعدامهم بمركز المدرية في أكفادو.
عار الجيش الفرنسي في الصومام: مركز ڤندورة: قتل 3 / 4 من المعتقلين بدون محاكمة نقل إلينا عبد العزيز واعلي صورا مؤلمة عن مخازي الجيش الفرنسي، بمنطقة غرب الصومام من الولاية الثالثة التاريخية. من الأوكار العفنة لهذه المخازي ثكنة أقبو ومركز قندورة، فضلا عن العديد من مراكز التعذيب الميدانية (للإستنطاق على الساخن) مثل ”تاڤمة، ثاحروبت، جمادي.. إلخ”.. لقد جعل جيش الإحتلال من ثكنة أقبو وكرا رهيبا للتعذيب والقتل بدون محاكمة، وأكثر من ذلك كان المستوطنون بالمدينة وضواحيها يترددون يوميا على الثكنة للتفرج على مناكر التعذيب والتشفي في المعذبين، بل المشاركة في تعذيبهم. ويذكر الشاهد من بين هؤلاء المتشفين الآنسة سوزان، وهي بنت مستوطن بالناحية، وكان جيش الإحتلال يقدم الأسى إلى محكمة أقبو في حالة يرثى لها.. حتى أن أحد القضاة اهتر ضميره لما هم عليه من هزال ووسخ، فصرخ قائلا ”ويح فرنسا! أتظن أنها بمثل هذه الأساليب يمكن أن تنتصر؟!” واشتهر مركز ڤندوزة بزبانيته الذين يذكر الكاتب منهم: الكورسي العريف ماكو، والعريف اليهودي عطلا، وعدد من الجزائريين أيضا.. ويقدر أن 3/4 المعتقلين بهذ الوكر الرهيب، كان مآلهم القتل بدون محاكمة. ومن مناكر جيش الإحتلال بالمنطقة، تسليم عدد من الأسرى لغلاة المستوطنين لقتلهم، بل بيع أسرى لغلاة الڤوم والحركى للإنتقام منهم.. واشتهرت ضيعة مستوطن بأقبو، بكلابها المدربة على ارتكاب الفاحشة، وتسليطها على المعتقلين.. ومن المناكر الأخرى: سحل الأسرى برباعات ”جيب”. تفجير أسرى، بوضع أصابع الديناميت في أفواههم وأدبارهم.. إعدام نحو 20 شخصا بنافث اللهب (شاليمو) أمام مرأى السكان.. وقد امتدت المناكر والفاحشة إلى المرأة بالمنطقة.. وينقل إلينا الكاتب حقائق مؤلمة مثل: إقامة ماخور ميداني جوار ثكنة لوحدة سنغالية بأغزر عباس.. فقد جيء بعدد من الفتيات تتراوح أعمارهن ما بين 18 و25 سنة وتم تطويقهن بشباك شائك، وحجزن هناك تحت رحمة الجنود السنغاليين. وقد قامت كتيبة من جيش التحرير بقيادة سي اعميرة، بشن هجوم ليلي على المكان لتحرير المحتجزات.. وقد وضعن تحت رعاية المجاهدة جيجيقة بوقرموح، وتولى الكاتب شخصيا تزويج بعضهن باعتباره مسؤول الأوقاف في المنطقة الثانية. إجبار شيوخ قرية أخرى على تسليم بناتهم وحفيداتهم لجنود الإحتلال، ليرتكبوا الفاحشة فيهن بحضورهم. ومن جرائم جيش الإحتلال بالمنطقة محاولة إبادة 300 شخص لجأوا إلى كهف مرزوق بأعالي سفح جبل أمالو، وفي 18 فبراير 1957 دل أحد الخونة جيش الإحتلال على هذا الكهف، فضربوه بالقنابل والغازات السامة قبل سد مدخله بالخرسانة.. وقد تسبب ذلك في قتل العديد من اللاجئين إليه، واضطرار عدد من المواطنين والمسبلين غير المسلحين إلى تسليم أنفسهم بعد11 يوما من الحصار. ولحسن الحظ أن عددا من الثوار تمكنوا من الإفلات، بحفر ثغرة جانبية في الكهف.. وتفاقمت مناكر جيش الإحتلال، أثناء عمليات مخطط شال الذي رمى بكلكله على الولاية الثالثة ابتداء من 22 يوليو 1959 وأقام بها بضعة أشهر. ويصف الكاتب الوضع يومئذ بقوله: ”إن المجازر الرهيبة التي تستهدف السكان، أصبحت في عداد العمل اليومي الروتيني لجيش الإحتلال ”. عميروش: افتكاك السلاح من العدو أسهل من اقتحام خطي موريس وشال كان بعد الولاية الثالثة عن المناطق الحدودية الشرقية، يجعل من إمدادها بالسلاح مشكلة عويصة ومعقدة.. ولم يكن من السهل إيجاد تنسيق دائم وفعال مع الولايتين الأولى والثانية.. نتيجة اضطراب الأمور بالأوراس، بعد استشهاد مصطفى بن بولعيد في أواخر مارس 1956 من جهة، ووقوع الواجهة الحدودية لولاية شمال قسنطينة تحت نفوذ الأولى ثم القاعدة الشرقة عقب ذلك من جهة ثانية. طبعا حاولت القاعدة الشرقية أن تضطلع بمهمة الإمداد، باتجاه الولايتين الثانية والثالثة، لكن لفترة قصيرة، لأن القاعدة ما لبثت أن حلت في أعقاب ”مؤامرة لعموري” أواخر 1958.. وفي صائفة 1957 عاد الرائد عميروش من تونس متبوعا بثلاث كتائب امداد، كان على رأسهم سليمان (ڤنون) لاصو. ويفيدونا المجاهد عبد العزيز واعلي، أن عميروش كلف بدوره فور عودته كتيبتين بالتوجه إلى تونس لجلب الأسلحة. كتيبة أولى بقيادة المساعد الساسي وتضم 112 جندي، هذه الكتيبة وقعت ضحية وشاية في ايغيل أزة (غرب بجاية)، فاعترض العدو سبيلها، ماجعلها تعود أدراجها مضطرة، بعد سقوط 35 شهيدا في صفوفها. كتيبة ثانية من111 جندي، بقيادة مزيان المليكشي، وكانت أسوأ حظا من سابقتها، إذ وقعت ضحية للمشوشين بالأوراس (جماعة مسعود عياسي)، فلم ينج منها غير جندي واحد، تمكن من العود إلى حوض الصومام، في حالة مزرية، لكن هناك العديد من الكتائب التي كانت أسعد حظا، فاستطاعت الوصول إلى تونس، والعودة إلى الولاية مثقلة بالأسلحة، من هذه الكتائب يذكر الشاهد دوريات بأسماء قادتها: سليمان اليعلاوي، عمران المليكشي، مخلوف أبو لنجي، صالح الموحلي، أحسن بوڤنورث، رابح امبوعنداس، البشير جرود، بوجمعة امقران... إلخ... وحسب الشاهد أن العقيد عميروش قرر أواخر 1958 وقف هذه العملية، بعد أن أصبحت باهضة التكاليف في الأرواح خاصة، وقال العقيد في ذلك ”أفضل مهاجمة مراكز العدو لافتكاك الأسلحة، لأنها أسهل بكثير من اقتحام خطي موريس وشال”.. صدى الإعلان عن الحكومة المؤقتة الحدث يحمل ”رائحة الإستقلال”! جاء الإعلان عن الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بردا وسلاما على جنود الولاية الثالثة، غداة الإنكسار المعنوي الناجم عن اكتشاف المؤامرة الزرقاء ومضاعفاتها، ويقول المجاهد عبد العزيز واعلي عن هذا الحدث التاريخي الذي اكتسى أهمية خاصة بالولاية بأنه أشاع في صفوفهم الشعور بأن النصر بات وشيكا.. وقد عقد قائد الولاية بالمناسبة اجتماعا عاما لجنوده بغابة الزان، (أكفادو) ليؤكد هذا الشعور من خلال ربط الحدث بقرب المفاوضات وكان العقيد عميروش واثقا تماما بأن المفاوضات ستتوج حتما، باعتراف الجنرال دوغول باستقلال الجزائر، وتطرق إلى احتمال إيقاف القتال ليقول خاطبا جنوده ”إياكم أن تفرطوا في سلاحكم، لاسيما بعد إيقاف القتال”. وقد كلف المحافظون السياسيون شرح أهمية هذا الحدث التاريخي، للجنود خاصة والمواطنين عامة ويذكر الكاتب في هذا الصدد الشيح صالح بن أعراب من مسؤولي الناحية الرابعة بالمنطقة الذي فسر ابتهاج المواطنين بتأسيس الحكومة المؤقتة ”بأنهم اشتموا في ذلك رائحة الإستقلال”!